وأوضح التقرير، الذي يمتد على أكثر من 150 صفحة أصدره مجلس المنافسة يوم الاثنين 8 دجنبر الحالي، أن سوق المطاحن يتميز « بتطور غير متكافئ » يحد من فرص نمو الصناعة الوطنية، إذ يظل النشاط متمركزا حول منتجات تقليدية مثل الدقيق الوطني للقمح اللين والدقيق البسيط والنخالة، دون قدرة فعلية على تطوير منتجات جديدة تستجيب لمتطلبات السوق الحديثة.
وسجل المجلس أن جزءا من المطاحن يعاني هشاشة تقنية وبنيوية عميقة أدت إلى توقف العديد منها عن العمل، بينما تستفيد مطاحن أخرى ذات تجهيزات تنظيمية وتقنية متطورة من آفاق أفضل بفضل فعالية أدواتها الصناعية.
ووفق التقرير، بلغ عدد المطاحن الصناعية في المغرب سنة 2023 حوالي 146 مطحنة، يتركز نشاط أغلبها في طحن القمح اللين بنسبة 85% من مجموع عمليات السحق، مقابل 14% للقمح الصلب و1% للشعير.
تركيز السوق: بين تعدد الفاعلين وهيمنة الكبار
أكد مجلس المنافسة أن تقييم مستوى تركيز أي سوق يشكل خطوة أساسية لفهم ديناميتها التنافسية ورصد المخاطر المرتبطة بالهيمنة المحتملة لبعض الفاعلين، مشيرا أن مؤشر هيرفندال-هيرشمان يعد من أبرز الأدوات المعتمدة لقياس درجة التركيز عبر جمع مربعات الحصص السوقية للشركات. ويوضح أن ارتفاع هذا المؤشر يعكس غالبا ضعف شروط المنافسة واحتمال بروز ممارسات احتكارية.
وفي ما يتعلق بسوق القمح اللين، كشف التقرير في هذا الصدد، أن مؤشر التركيز بلغ 458,30، ما يشير إلى مستوى تركيز مرتفع. وتسيطر سبع مجموعات كبرى من أصل 99 فاعلاً على 49% من الإنتاج، بحصص تتراوح ما بين 2.7% و11.6%. أما بقية الشركات البالغ عددها 92، فلا تتجاوز حصص أي منها 2.5%، وتتقاسم مجتمعة 51% من السوق. ورغم هذا التوزيع، يرى المجلس أن السوق ما تزال توفر بيئة تنافسية نسبيا بفضل تعدد الفاعلين وانخفاض حواجز الولوج.
وبخصوص سوق القمح الصلب، بلغ مؤشر التركيز 974,45، وهي نسبة تصنف ضمن مستوى التركيز المعتدل. ففي هذا السوق، تستحوذ أربع مجموعات رئيسية على 54% من الإنتاج، بحصص تتراوح بين 8.8% و18.6%، بينما تتقاسم 25 شركة أخرى 46% من السوق. واعتبر التقرير أن هذه التركيبة تظهر استمرار دينامية تنافسية رغم التأثير الواضح لكبار الفاعلين.
أما سوق الشعير، فسجل أعلى مستويات التركيز، إذ بلغ المؤشر 2618,58، ما يعكس هيمنة قوية لثلاث مجموعات فقط من أصل 16، تستحوذ مجتمعة على 71% من الإنتاج بحصص تتراوح بين 11% و47%. وتوزع باقي الشركات (13) نسبة 29% المتبقية.
وأشار المجلس إلى أن هذا التركيز المرتفع يمنح المجموعات الثلاث قدرة على التأثير في الأسعار وظروف السوق، ما يثير مخاوف تتعلق بالمنافسة ويحد من فرص دخول الشركات الصغيرة.
دعم الدولة يتحول إلى عائق
وأبرز مجلس المنافسة أن بنية سوق المطاحن تعرف ازدواجية بنيوية تتميز من جهة بالتركيز ومن جهة أخرى بتعدد كبير للفاعلين، وتعدد كبير لمطاحن صغيرة التي تعاني من ضعف تنافسي، مضيفا أن هذا الوضع يخلق تفاوتا في القدرات الإنتاجية وفي القدرة على الاستثمار وتحديث البنيات التحتية، ما يعيق تطوير صناعة مطاحن قوية ومندمجة على المستوى الوطني.
ولفت المجلس إلى أن الدعم المخصص للقمح اللين، الذي أقر لضمان استقرار الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمستهلك، أصبح مع مرور الوقت عبئا ماليا على الدولة، كما أدى إلى تحريف مسار سلاسل التوزيع، مضيفا أن «الدعم من خلال خفض التكاليف لبعض الفاعلين، يحرف مؤشرات السوق ويخلق تباينات بداخله، وتستفيد بعض الشركات من الريع الاقتصادي المرتبط بهذه المساعدات، مما قد يعيق الابتكار ويعيق الاستثمار في تحسين الإنتاجية».
كما أبرز التقرير وجود فجوة بين أسعار القمح اللين في السوق الوطنية والأسواق الدولية خلال الفترة 2019-2023، حيث بلغت الأسعار داخليا ذروتها سنة 2023 بـ 446 درهما للقنطار، مقابل أسعار أدنى في بلدان مثل الأرجنتين وروسيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.
وشدد على أن هذه التدابير « رغم أهميتها الاجتماعية » تؤثر سلبا على المنافسة داخل سوق المطاحن، إذ توجه المستهلكين نحو القمح اللين على حساب محاصيل محلية أخرى، مما يحد من تنويع من إمكانيات تنويع القطاع.
وطالب مجلس المنافسة، بإعادة تقييم نموذج الدعم لضمان توزيعه بشكل أكثر إنصافا وفاعلية بين مختلف حلقات السلسلة، مع تعزيز مرونة واستقلالية الإنتاج الوطني، داعيا إلى إعادة تقييم نموذج الدعم لضمان توزيع أكثر عدالة بين مختلف حلقات سلسلة الإنتاج، مع تعزيز مرونة واستقلالية الإنتاج الوطني.




