في حين دفعت أزمة كوفيد-19 العديد من شركات الطيران إلى التخلص من جزء من أساطيلها، والتخلي عن الطائرات لمستأجرة و/أو القديمة، فقد تغير الوضع منذ ذلك الحين. حاليا، تنخرط العديد من شركات الطيران في سباق محموم لزيادة أساطيلها، في سياق يعجز فيه المصنعون على مواكبة الطلب العالمي.
ويغذي هذا السباق آفاق النمو المشجعة نسبيا للنقل الجوي العالمي.
إن انتعاش السياحة على المستوى العالمي، والتطور الإيجابي لقطاع الرحلات والأسفار، وآفاق تحرير الأجواء الإفريقية في إطار السوق الإفريقية الموحدة للنقل الجوي، وظهور طبقة وسطى إفريقية، والإرادة السياسية للدول لإنشاء شركات طيران، كلها عوامل تدعم توسع أساطيل القارة.
يضاف إلى ذلك رغبة شركات الطيران في تجديد أساطيلها من خلال تزويدها بأحدث جيل من الطائرات التي تستهلك كميات أقل من الكيروسين. ويبرر هذا الخيار بتقلب أسعار الوقود، الذي يصل استهلاكه إلى 30% من إجمالي التكاليف.
وتبرز بعض الدول وشركات الطيران في هذا السباق نحو الحجم. وتؤكد هذه المنافسة الدراسات التي أجرتها كبرى شركات تصنيع الطائرات -بوينغ وإيرباص- والتي تسلط الضوء على احتياجات شركات الطيران الإفريقية للعقدين المقبلين.
وفقا للشركة الأمريكية، ستحتاج إفريقيا إلى 1100 طائرة جديدة لتوسيع وتحديث أساطيلها من خلال استبدال الطائرات القديمة بأخرى جديدة كليا.
تنعكس هذه التطورات في أحدث المعطيات من موقع «Planespotters» المتخصص. بدأت بعض شركات الطيران، التي ازداد نشاطها خلال العامين الماضيين، تحدث تغييرا جذريا في تصنيفات أكبر أساطيلها.
يختلف هذا الحجم من دولة لأخرى ومن شركة طيران لأخرى، متأثرا بعوامل متعددة: حجم الدولة وعدد سكانها، وطبيعتها غير الساحلية، والظروف الاقتصادية، والإرادة السياسية، والرؤى الاستراتيجية، والحكامة الرشيدة لشركات النقل الجوي.
في إفريقيا، ووفقا لمعطيات «Planespotters»، تتشارك 804 شركات طيران في 1650 طائرة، أي ما يعادل 2.05 طائرة لكل شركة.
يمكن تفسير هذه الوضعية بكون العديد من شركات الطيران لا تملك طائرات. وغالبا ما تكون هذه الشركات فقدت أساطيلها لأسباب مختلفة ولكنها لا تزال مسجلة.
ومن بين هذه الشركات العديد من الشركات العامة والخاصة. وهذا هو الحال في بوروندي، التي لديها ثلاث شركات طيران -طيران بوروندي، ومركز طيران إفريقيا، وشركة ترانس لويد للشحن-، ولكن لا يوجد لدى أي منها طائرات. وينطبق الأمر نفسه على جزر القمر، التي لديها تسع شركات طيران بدون أي طائرات. وهذا هو الحال أيضا في غينيا بيساو، وإريتريا، وليسوتو، وليبيريا، وساو تومي وبرينسيبي، وغيرها. كما أن جمهورية إفريقيا الوسطى في وضع مماثل، حيث لديها ثماني شركات طيران مسجلة، ولكن واحدة فقط، وهي فيا إير (Via Air)، لديها طائرة واحدة. وفي مالي، توجد إحدى عشرة شركة طيران بأسطول إجمالي من ست طائرات، ثلاث منها فقط نشطة.
ووفقا لمعطيات «Planespotters»، تحتل نيجيريا، أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان، المرتبة الأولى حسب البلدان. هناك 91 شركة طيران مسجلة، 27 منها نشطة، بأساطيل تتراوح بين طائرة واحدة و32 طائرة. جميعها شركات خاصة بأسطول إجمالي يبلغ 153 طائرة. أكبرها هي إير بييس «Air Peace» (32 طائرة)، وأريك إير «Arik Air» (14 طائرة)، وإيبوم إير «Ibom Air» (9 طائرات). تؤمن إير بييس الربط بين المدن الرئيسية في نيجيريا والعديد من وجهات غرب إفريقيا والشرق الأوسط.
تلي جنوب إفريقيا نيجيريا بـ72 شركة طيران، 24 منها لديها أسطول مشترك يبلغ 225 طائرة. أهمها هي إير لينك «Air Link» (70 طائرة)، وفلاي سفير «FlySafair» (37 طائرة)، وسيم إير «Cem Air» (25 طائرة)، وسوت أفريكان إيروايز «South African Airways» (18 طائرة).
تليهما كينيا بـ70 شركة طيران بإجمالي 203 طائرات. كينيا هي الدولة التي تضم أكثر شركات الطيران نشاطا، بـ34 طائرة. أهمها كينيا إيروايز «Kenya Airways» (35 طائرة)، وإيركرافت ليزينغ سيرفيس «Aircraft Leasing Services» (21 طائرة)، وسكاي وارد إكسبريس «Skyward Express» (16 طائرة)، ورونيغايد إير «Renegade Air» (15 طائرة)، و748 إير سيرفيس «748 Air Service» (13 طائرة).
يعزى هذا العدد الكبير من شركات الطيران في المقام الأول إلى الأنشطة السياحية. يتعلق الأمر بشكل عام بطائرات صغيرة الحجم مصممة لنقل السياح إلى المتنزهات ومحميات الحياة البرية لرحلات السفاري.
تحتل مصر المرتبة الرابعة بين الدول الإفريقية بـ53 شركة طيران بإجمالي 180 طائرة. وتعد مصر للطيران (67 طائرة) وفرعيها إير كايرو (35 طائرة) ومصر للطيران للشحن (4 طائرات) أكبرها.
وأخيرا، من بين الدول الخمس التي تضم أكبر عدد من شركات الطيران، جمهورية الكونغو الديمقراطية، بـ46 شركة طيران، منها 12 شركة فقط نشطة. وتمتلك هذه الشركات أسطولا إجماليا من 41 طائرة، بما في ذلك شركة سيرف للشحن الجوي «Serve Air Cargo» (9 طائرات)، وخطوط مونت غابون الجوية «Mont Gabon Airlines» (7 طائرات)، وفلاي سي إي إي «FlyCAA» (7 طائرات).
يبدو أن عدد شركات الطيران لا يعني بالضرورة وجود أساطيل كبيرة. ففي بعض الدول الأفريقية، يتجاوز عدد شركات الطيران المسجلة عدد الطائرات.
أما بالنسبة للدول التي تمتلك أكبر عدد من الطائرات، فتتصدر جنوب إفريقيا القائمة بـ225 طائرة، متقدمة على كينيا (203) ومصر (180) وإثيوبيا (154) ونيجيريا (153).
وبالمقابل، فيما يخص شركات الطيران، تمتلك الخطوط الجوية الإثيوبية أكبر أسطول في القارة بـ144 طائرة من أصل 154 طائرة مسجلة. كما تمتلك الشركة أحدث أسطول في القارة.
ويبلغ متوسط عمر طائرات الخطوط الجوية الإثيوبية حوالي 8.3 سنوات. ويفسر ذلك بسياسة الخطوط الجوية الإثيوبية في تجديد وزيادة حجم أسطولها كجزء من «رؤية 2035»، وهي خارطة طريق تستهدف من خلالها الشركة الإثيوبية أسطولا من 270 طائرة وشبكة من 207 وجهات.
وتأتي بعدها بفارق كبير مصر للطيران بأسطول مكون من 71 طائرة، أي أكثر بطائرتين عن نفس الفترة من العام الماضي. يضم أسطولها 75 طائرة، بما في ذلك طائرات شركة مصر للطيران للشحن، المملوكة لها بالكامل (أربع طائرات).
وتليهما شركة إيرلينك الجنوب إفريقية الخاصة، التي تمتلك أسطولا من 70 طائرة. وهي أكبر شركة طيران خاصة في القارة.
L'Afrique compte 804 compagnies aériennes pour seulement 1.650 avions, selon les données de Plannespotters, soit une moyenne de 2,05 appareils par compagnie.. DR
إنها تتقدم على شركة الطيران المغربية التي لديها 57 طائرة، مقارنة بـ50 طائرة في نفس الفترة من العام الماضي. منذ بداية عام 2025، استلمت الشركة ثماني طائرات جديدة: طائرتان من طراز بوينغ 787-9 وست طائرات من طراز بوينغ 737-8 ماكس، مما زاد من حجم الأسطول وجدده. ويندرج اقتناء هذه الطائرات الجديدة في إطار الاستراتيجية الجديدة للشركة، والتي تستهدف 200 طائرة وشبكة من 143 وجهة من خلال فتح خطوط متوسطة وطويلة المدى في أربع قارات بحلول عام 2037.
وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تعزيز مكانة المغرب كمركز جوي رئيسي في إفريقيا وتقديم تجربة أفضل لركابها. ويسمح تعزيز الأسطول لشركة الخطوط الجوية الملكية المغربية بتعزيز شبكتها من خلال فتح وجهات جديدة مع خطوط مثل بكين وتورنتو وساو باولو.
مع الأخذ في الاعتبار أسطول طائرات شركتها الفرعية «Royal Air Maroc Express» المكون من ست طائرات، تمتلك الشركة أسطولا من 63 طائرة، وفقا لمعطيات «Planespotters»، تحتفظ الخطوط الجوية الجزائرية بأسطولها المكون من 54 طائرة، وتحتل المرتبة الخامسة بين أكبر شركات الطيران في القارة.
تتقدم هذه الشركات الخمس على فلاي سفير (37 طائرة) من جنوب إفريقيا، وإير كايرو (35 طائرة) من مصر، والخطوط الجوية الكينية (35 طائرة)، وإير بييس (32 طائرة)، وتاغ الأنغولية «Taag» (27 طائرة).
والمؤكد هو أن عدد الطائرات في إفريقيا سيشهد زيادة ملحوظة في السنوات القادمة مع تزايد طلبات الشراء من مختلف الدول استعدادا لتنافس محتدم.
في هذه المنافسة، التي ستشتد مع تحرير الأجواء، ستتمكن الشركات الأكثر تنافسية والتي تمتلك أساطيل كبيرة نسبيا من الاستفادة من النمو في نقل الركاب والبضائع.










