في هذا المقال، ركزنا على 20 اقتصادا رئيسيا، من بينها المغرب، الجزائر، تونس، موريتانيا، كوت ديفوار، السنغال، وجنوب إفريقيا.
رغم تفاوت الأوضاع المالية، تشترك هذه الدول في تحديات متشابهة تتعلق بجمود الإنفاق، والاختلالات الهيكلية، والضغوط المتزايدة بسبب أسعار الفائدة. وكشف صندوق النقد الدولي عن سبل عملية لتحويل الإنفاق العمومي إلى أداة للنمو دون زيادة الأعباء الضريبية.
يؤكد المراقب المالي أنه في ظل ديون عالمية متسارعة وأسعار فائدة مرتفعة، سيكون من الأفضل للدول الإفريقية إعطاء الأولوية للكفاءة بدل التقشف. المغرب، مع دين مضبوط وإيرادات قوية (30,67% من الناتج المحلي الإجمالي)، يمكن أن يكون نموذجا بإعادة توجيه الإنفاق نحو التعليم. بينما السنغال أو توغو بحاجة عاجلة لتصحيح مسار ديونها عبر مراجعات الإنفاق ومكافحة الهدر.
يجدر التذكير بأن الصندوق يقيس في هذا التقرير المؤشرات الاقتصادية الأساسية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك 8 مؤشرات مالية (الدين الإجمالي، الرصيد الميزاني، العجز، الإيرادات والنفقات)، لتسهيل المقارنات بين الدول. جميع النسب المذكورة أدناه محسوبة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي.
Au Bénin, la consolidation des programmes de distribution ciblée d'aides sociales réduit les doublons et le gaspillage.. DR
نقاط الضعف والاختلالات المستمرة
وفقا للصندوق، تكشف مسارات الدين والعجز عن أوضاع مقلقة، مثل السنغال، حيث بلغ الدين المتصاعد 122,95% من الناتج المحلي الإجمالي رغم فائض أولي، ما يعكس مخاطر تمويل مشاريع بنية تحتية طموحة. في المقابل، مصر تسجل عجزا مرتفعا (-12,36%) لكنها تحقق فائضا أوليا (+2,46%)، ما يدل على عبء غير مستدام للفوائد على الميزانية.
المغرب، بدين نسبته 67,21% وعجز -3,8%، يظهر انضباطا نسبيا، لكن مصاريفه الجارية التي تمثل 34,47% من الناتج المحلي تكشف عن ضغوط مستمرة.
الجزائر تسجل عجزا مقلقا يبلغ -11,54% من الناتج المحلي، وهو الأعلى بعد مصر بين الـ20 دولة محل التحليل، ما يبرز الحاجة الملحة لتقليص النفقات الجارية.
في هذا الإطار، حذر الصندوق من تفاقم محتمل، مشيراً إلى أن «توزيع المخاطر واسع ويميل نحو تراكم أسرع للدين. مع احتمال 5%، قد يصل الدين إلى 124% في 2029».
تزيد هذه الهشاشة نتيجة نقص الإيرادات المزمن وجمود الميزانية. أكثر من 70% من الدول النامية، مثل نيجيريا (9,57% من الناتج المحلي) وإثيوبيا (10,46%)، لديها نسبة إيرادات/ناتج محلي أقل من الحد الأدنى الحرج (15%) الذي حدده الصندوق لتحقيق نمو.
على الصعيد القاري، يظهر الإنفاق صلابة هيكلية، مع امتصاص الرواتب العامة لحوالى 28% من النفقات الكلية في إفريقيا جنوب الصحراء، متضمنة علاوات بنسبة 10-13% أعلى من القطاع الخاص، ما يقيد سوق العمل ويحد من العمالة المتاحة للشركات الخاصة.
جوهر المشكلة يكمن في عدم فعالية الإنفاق العام بشكل عميق. يوضح التقرير أن «فجوات الكفاءة تصل إلى 39% في الدول منخفضة الدخل، و34% في الأسواق الناشئة. ما يعني أن الدول يمكن أن تحصل على 30 إلى 40% قيمة إضافية بتبني أفضل الممارسات».
يبرز هذا الخلل بشكل خاص في الاستثمارات العامة، التي تمثل 11% فقط من إجمالي الإنفاق في الاقتصادات المتقدمة، وتشهد انخفاضا مستمرا منذ 1995، ما يعكس نقص الاستثمار المزمن وضعف اختيار وإدارة المشاريع.
أدوات التحرك: إعادة التوزيع والكفاءة التقنية
في مواجهة هذا الواقع، حدد الصندوق أدوات عملية، تركز على إعادة توزيع استراتيجية للموارد وتعزيز الكفاءة التقنية. إعادة التوزيع الاستراتيجية توفر تأثيرا فوريا وجوهريا. ويقترح الصندوق إعادة توجيه 1% فقط من الإنفاق الجاري، مثل المصاريف الإدارية، نحو قطاعات منتجة. توجيه هذه الموارد نحو التعليم قد يرفع الناتج المحلي بنسبة 6% بحلول 2050 في الدول الناشئة، بينما الاستثمار في البنية التحتية قد يزيد الناتج بنسبة 3,5%.
رواندا مثال حي على هذا النجاح، إذ زادت كفاءة الإنفاق التعليمي بنسبة 8 نقاط مئوية بعد إصلاحات مستهدفة شملت الرقمنة وتحسين الوصول للمدارس.
استغلال التكاملات الاستراتيجية أمر بالغ الأهمية. بينما تعظم الدول المتقدمة مكاسبها عبر الجمع بين البحث والتطوير ورأس المال البشري، يمكن للدول الإفريقية الجمع بين استثمارات البنية التحتية، ذات الأثر الفوري، والتعليم، ذو الأثر الطويل والعميق. السنغال، حيث ارتفعت حصة الاستثمار العام من 12% إلى 19% بين 2019 و2024، تجسد هذا النهج.
لكن هذه إعادة التوزيعات لن تحقق كامل أثرها إلا بصحبتها تعزيز مؤسسي صارم لتصحيح inefficacité من المصدر. يوضح التقرير أن «محاربة الفساد وتحسين الشفافية يقلل الهدر»، موضحا أن «زيادة بمقدار انحراف معياري واحد في السيطرة على الفساد تحسن كفاءة الإنفاق التعليمي بمقدار 3,5 نقاط».
تشمل الأدوات الرئيسية مراجعات الإنفاق التي مكنت سلوفاكيا، على سبيل المثال، من تحقيق وفورات تمثل 7% من مصاريفها، وتحسين إدارة الاستثمارات العامة التي سمحت لتوغو بخفض فجوة الكفاءة بمقدار 5 نقاط عبر تخطيط متعدد السنوات صارم.
الأولوية القصوى هي شفافية الأسواق العامة – حيث يقدر الهدر المتوسط بـ1,4% من الناتج المحلي – وزيادة اللامركزية لضبط الإنفاق وفق الاحتياجات والتفضيلات المحلية، بما يعزز جودة وفاعلية الخدمات العامة.
الانعكاسات على الفاعلين الاقتصاديين
توضح نتائج المراقب المالي مشهدا من المخاطر والفرص لكل فاعل اقتصادي. بالنسبة للحكومات، يمثل التقاعس خطرا كبيرا. الدول مثل السنغال، مصر أو تونس، حيث تتجاوز الديون 80% من الناتج المحلي، تواجه تهديدا مباشرا لاستقرارها المالي إذا استمرت أسعار الفائدة العالمية مرتفعة، مما يزيد أعباء خدمة الدين.
مع ذلك، يحذر الصندوق من الحلول المبسطة، مشيرا إلى أن «خفض الإنفاق العام بشكل عشوائي يضر بالخدمات الأساسية ويقوض النمو». هذا ما قد يُغري الجزائر القيام به. يوصي الصندوق بإصلاح تدريجي للميزانية يعادل 5% من الناتج المحلي بين 2025 و2028، بقيمة حوالي 14 مليار دولار، لتثبيت المالية العامة. كما يشدد على ضرورة إصلاح دعم الطاقة، توسيع القاعدة الضريبية خارج قطاع النفط، وإدارة الشركات العامة بصرامة، في ظل تباطؤ النمو الجزائري إلى 3,3-3,6% في 2025 واستمرار العجزين المالي والخارجي مع ضغط على الاحتياطيات وحساب جاري سلبي.
في المقابل، دول مثل المغرب وكوت ديفوار، بدين أقل من 60% من الناتج المحلي، لديها هامش استراتيجي للاستثمار في إصلاحات الكفاءة، خاصة في قطاعات الصحة والتعليم، لبناء نمو أقوى.
بالنسبة للقطاع الخاص، يشير التقرير إلى فرص للتكامل والتمويل المشترك. إذ يمثل القطاع الخاص أداة لتحسين الكفاءة، مع إمكانية تفويض وظائف غير أساسية (النقل، الصيانة). كما تعتبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص وسيلة لتحفيز الاستثمارات في البنية التحتية، شريطة التحكم بدقة في المخاطر المالية. أما الدول الإفريقية الأكثر تقدماً، مثل جنوب إفريقيا، فالأفضل لها الجمع بين الإنفاق على البحث والتطوير والتعليم لتعظيم مكاسب الإنتاجية على المدى الطويل.
وأخيرا، بالنسبة للمواطنين والمستثمرين، تتركز الاهتمامات حول العدالة والثقة. تحسين استهداف المساعدات الاجتماعية، عبر توحيد البرامج المجزأة في بنين أو النيجر، ضروري لتحرير الموارد وتعزيز العدالة دون زيادة الإنفاق الكلي. وتربط الثقة مباشرة بجودة الحكم، ويؤكد الصندوق أن « تعزيز الشفافية ضروري لضمان استفادة دائمة من المال العام ». بالتالي، إصلاحات الشفافية ومكافحة الفساد ليست مجرد إجراءات تقنية، بل أساس شرعية العمل العام وجاذبية الدولة للمستثمرين على المدى الطويل.
خارطة الطريق: الأولويات حسب نوعية الدول
يشير تقرير الصندوق إلى ضرورة تمييز الإصلاحات وفق الأوضاع الوطنية. الدول التي تعاني من أزمة سيولة أو ضعف الاستدامة، مثل مصر وتونس، تحتاج فوراً لتقليص الإنفاق الجاري، بما في ذلك إصلاح دعم الطاقة واستهداف أفضل للمساعدات الاجتماعية. ويشير الصندوق إلى أن هذه الطريقة فعالة وعادلة، حيث إعادة توجيه الموارد للفئات الأكثر ضعفا تحقق وفورات كبيرة.
الدول ذات الهامش المالي، مثل المغرب وجنوب إفريقيا، تتحمل مسؤولية مختلفة. المغرب، بإيرادات تعادل 30,67% من الناتج المحلي، يجب أن يركز على تحسين كفاءة الرواتب العامة، التي تمثل 22% من الإنفاق وتقيد الميزانية. أما جنوب إفريقيا، بإيرادات 27,65%، فيجب أن تعيد توجيه الاستثمارات نحو البنية التحتية، مع عائد محتمل 1,5% من الناتج المحلي طويل المدى لكل زيادة 1% من الناتج في هذا القطاع.
الجزائر، بإيرادات أقل (24,08% من الناتج) وعجز هائل (-11,54%)، تحتاج إلى إصلاح عاجل لدعم الطاقة واستهداف الإنفاق الاستثماري.
أما الدول الهشة أو ضعيفة المؤسسات، مثل توغو والنيجر، فعليها التركيز على إصلاحات حوكمة أساسية. توغو قدمت نموذجاً بتخفيض فجوة كفاءة الاستثمار بمقدار 5 نقاط منذ 2015 عبر إصلاح الأسواق العامة وإدارة الاستثمارات. النيجر يمكنه تحقيق مكاسب سريعة برقمنة صرف الرواتب والمساعدات الاجتماعية، لإزالة «العمال الوهميين» والتكرارات في السجلات، محررا موارد هامة للتنمية العاجلة.
لإفريقيا، الهامش موجود: إعادة توزيع نحو التعليم والبنية التحتية، تحقيق كفاءة عبر الرقمنة، وإضفاء الطابع المؤسسي على مراجعات الإنفاق. بدون هذه الإصلاحات، ستظل الاستدامة المالية وهمًا، مع تأثير مباشر على النمو الشامل والاستقرار الاجتماعي. المكافأة المحتملة، بحسب الصندوق، هي نمو شامل، دين مستدام، ومرونة أكبر أمام الصدمات المستقبلية.
(*) الاقتصادات العشرين التي تناولها المقال هي: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، موريتانيا، كوت ديفوار، السنغال، جنوب إفريقيا، نيجيريا، الغابون، الكاميرون، إثيوبيا، رواندا، كينيا، توغو، بنين، النيجر، تنزانيا، وجيبوتي.



