على بعد مسافة 53 كيلومتر من مدينة الدار البيضاء، تتواجد منطقة بئر الجديد الجماعة التي اختارها الشاب رياض وحتيتا لإنشاء مشروع مشاتل نبات البونيكام الذي يعتبر من النباتات النجلية المعمرة المستعملة كعلف للمواشي بدل الفصة وعدد من النباتات الأخرى.
مشروع الشاب رياض وحتيتا بدأ بفكرة فرضها الوضع المناخي الذي تعيشه المملكة منذ 5 سنوات والذي طبعته توالي سنوات الجفاف وشح التساقطات المطرية. معطى دفع برياض إلى التخلي الزراعات العلفية التقليدية والتوجه نحو زراعة أصناف من الأعلاف ذات استدامة طويلة، واستهلاك أقل للمياه ونفقات المالية منخفضة.
بابتسامة متفائلة وثبات في الخطوات، سار بنا رياض وسط مشتله بمنطقة البئر الجديد الجماعة التي احتضنت مغامرته بإنتاج نبات البونيكام « الصديق للماء » كما يصفه هذا الشاب ذي الـ36 ربيعا. الخبرة في مجال الفلاحة والزراعات البديلة في مجال الأعلاف دفعت برياض قبل سنة إلى التفكير بجدية في إنجاز مشروع النبات العلفي « البونيكام » على مساحة 8 هكتارات.
كأي مشروع البداية لم تكن هينة، الاستثمار في هذا الصنف من الزراعات يتطلب صبرا ورَوِيَّة. وكأي شاب آمن رياض بمشروعه وخاض التجربة بثبات وتركيز. تجول بنا رياض وحتيتا بين المشاتل مزهوا وتعابير الفخر ترسم على وجهه وهو يرى فكرته على أرض الواقع كاسبا التحدي الذي وضعه نصب عينيه.
يوضح مالك المشروع أن أصول هذا النبات لدول جنوب أفريقيا والبرازيل حيث ينمو في المناطق الاستوائية والرطبة، مشيرا إلى أن أفضل أنواع البونيكام هو ماكسيموم ومنه نوعين من بين أربعة أنواع ذات إنتاجية العالية وهما بونيكام تنزاني وبونيكام مومباسا.
تكلفة منخفضة وماء أقل
ولأن الماء يجعل من كل شيء حي، فمشاتل رياض تتغذى بالكفاف على هذه المادة الحيوية. « هذا النبات يأخذ قدر الحاجة من الماء بلا زيادة ولا نقصان »، يقول رياض وحتيتا وهو الخبير الفلاحي فالهكتار الواحد من « البونيكام » يتطلب ما بين 50 و80 طن من الماء بينما نبات علفي آخر كالبرسيم أو « الفصة » الأكثر استعمالا من قبل الفلاحين لتعليف المواشي يتطلب بين 150 و180 طن من الماء في الهكتار الواحد.
يوضح رياض وحتيتا أن المشروع تبلغ تكلفته الإجمالية 22 ألف درهم بالنسبة للهكتار الواحد من الشتلات. هذه النبتة العجيبة كما يصفها الخبير الفلاحي والزراعي لا تحتاج لرش المبيدات الكيميائية أو الأسمدة، كما أنها مقاومة للأمراض والحشرات. يبرز المتحدث أن إنتاجها غزير، واستدامتها بالأرض طويلة تصل إلى 10 سنوات بل إن النبتة المعمرة يمكن حصادها كل شهر بعد إتمامها لخمسة وعشرين يوما داخل المشتل وبدأ عملية الزرع، مشيرا إلى أن الهكتار الواحد لهذه المادة تفوق إنتاجيته باقي النباتات العلفية خصوصا عندما نتحدث عن محصول يبلغ 350 إلى 400 بالة قش في الهكتار. ويوضح مجدوب شناني مسير منبت بونيكام أنه يمكن زراعة هذا النبات بطريقة التشتيل بين شهر أكتوبر ودجنبر عن طريق إعداد شتلات ثم القيام بتحويلها على شكل خطوط وريها بنظام التنقيط وتحتاج هذه الطريقة كيلوغرام ونصف إلى 2 كيلوغرام من البذور، فيما الطريقة الثانية عن طريق الزرع اليدوي أو بآلة الزرع والتي تنجز بين شهري فبراير وأبريل، وتُروى بنظام الرش تحتاج إلى 10 و15 كيلوغرام من البذور في الهكتار الواحد.
ويسهب رياض وحتيتا، خبير فلاحي في بسط مميزات نبات بونيكام ذي الأصول الإفريقية مؤكدا بديل ناجح للأعلاف الخضراء بالنظر إلى أنه يتوفر على نسب سخية من البروتينات والتي تصل إلى 24 في المائة. ويؤكد الخبير الفلاحي أن بونيكام يزيد إدرار الحليب وممتاز لتسمين الماعز والأغنام والعجول. كما هذا النبات يتحمل الزراعة في ظروف بادرة بل إنه قادر حتى على اصطبار ملوحة الماء قد تصل إلى 8000 جزء من المليون وفي بعض الأنواع من هذا النبات يمكنها بلوغ 12000 جزء من المليون، ناهيك عن سهولة تخزينه وتجفيفه.
الانفتاح على الزراعات البديلة
أمام الظرفية العالمية المتميزة بارتفاع أسعار بعد المواد العلفية في السوق الدولية وكذا شح الأمطار بدأ عدد من الفلاحين يقبلون على استعمال تقنيات جديدة وملائمة للتغيرات المناخية في مجال الأعلاف، مدركين أهمية وقيمة ما يسمى بـ « العلف البديل » الذي يتطلب تجربة وصبرا وإيمانا بهذا المشروع المستدام.
ويعتبر مجدوب شناني مسير منبت بجهة الدار البيضاء أن « الأعلاف البديلة بدأت تجد موطئ قدم لها في الضيعات المغربية رغم أننا لم نصل بعد لمرحلة التسويق وغالبية الفلاحين يعتمدون على هذه الزراعات للاستهلاك الذاتي »، مشيرا إلى أن « بعضها كزراعة الشعير المستنبت مثلا أصبحت تكتسح الضيعات بالنظر إلى أنها تمكن الفلاح من تقليص مساحة النباتات المزروعة والاكتفاء بغرف مخصصة للاستنبات».
كما أبرز شناني أن «الفلاحين أصبحوا كذلك يقبلون على زراعة نبات « الأزولا »، الذي يعيش في أحواض مائية فوضع كيلوغرام واحد من « الأزولا » في الحوض ينتج خمسة كيلوغرامات». وبحسب المتحدث يحتوي نبات الأزولا على نسبة جيدة من البروتين الأخضر تصل إلى 20% وترتفع النسبة عندما يجف لتصل إلى أكثر من 30%. ويمكن لهذا النبات أن يدخل أيضا في تركيب أعلاف الدواجن وكل أنواع الطيور. وتمكن هذه الزراعات الفلاحين من تخفيض تكلفة الإنتاج وضمان جودة في إنتاج الحليب وكذلك اللحوم.