الصحراء المغربية: كيف يعتزم صندوق الإيداع والتدبير تقوية نشاطه في الأقاليم الجنوبية

Le siège du groupe CDG (Caisse de dépôt et de gestion) à Rabat.

مقر صندوق الإيداع والتدبير بالرباط. DR

في 18/12/2025 على الساعة 12:37

انخرط صندوق الإيداع والتدبير في استراتيجية طموحة في الأقاليم الجنوبية المغربية، تتضمن مشاريع كبرى في العيون والداخلة. فبعد مشروع طريق تيزنيت-الداخلة السريع، الذي ساهم فيه الصندوق، وتطوير مركز صناعي ولوجستي مندمج في فوسبوكراع، والذي ساهم فيه الصندوق بملياري درهم، ينصب التركيز الآن على وديان التكنولوجيا، بما في ذلك مركز حضري جديد في لؤلؤة الصحراء. والهدف: إعادة تأكيد دوره التاريخي كقاطرة للاستثمار وتهيئة الظروف الضرورية لنمو اقتصادي مستدام. التفاصيل.

شرع صندوق الإيداع والتدبير في تحول استراتيجي كبير نحو الأقاليم الجنوبية المغربية، ولا سيما العيون والداخلة، وهو ما يمثل فصلا جديدا في دوره التاريخي كقاطرة للاستثمار على المستوى الوطني. بعد غيابه النسبي عن هذه المنطقة، يعمل صندوق الإيداع والتدبير من الآن فصاعدا على تقوية وجوده من خلال مخطط طموح يهدف إلى هيكلة التنمية الاقتصادية والحضرية والتكنولوجية للصحراء المغربية.

وأوضح خالد سفير، المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير، خلال اجتماع عقد مؤخرا مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية قائلا: « لا يزال وجودنا محدودا في الأقاليم الجنوبية، لكن العيون والداخلة والمنطقة برمتها أصبحت من الآن فصاعدا من بين أولوياتنا الاستراتيجية ». ويترجم هذا التصريح تحولا في رؤية المجموعة، مع التركيز على إحداث بيئة مواتية للاستثمار الخاص والتنمية المندمجة.

ويستند المحور الأساسي لهذه الاستراتيجية على المشاركة الفعالة لصندوق الإيداع والتدبير في مشاريع البنيات التحتية الكبرى، ولا سيما طريق تيزنيت-العيون-الداخلة السريع. ويعد هذا المشروع، ذو الأهمية الحيوية للجهة، محركا للتحول الاقتصادي والاجتماعي. وأكد خالد سفير قائلا: « يعيد هذا الطريق رسم المبادلات بين شمال البلاد وجنوبها. إنه أحد مشاريع البنية التحتية المهيكلة في الجهة ».

ويلعب صندوق الإيداع والتدبير، الذي ساهم في تمويل هذا المشروع، دورا محوريا في تحديث شبكة الطرق، مما يسهل التنقل، ويحسن المبادلات التجارية، ويحفز النشاط الاقتصادي المحلي في جهة يساهم فيها تحديث شبكة الطرق تحولاً جذريا في ديناميتها المحلية، ويفتح الطريق لنمو اقتصادي سريع.

وينضاف إلى هذا المشروع الضخم للبنية التحتية، مشروع آخر يتعلق بتطوير مركز صناعي ولوجستي مندمج في الأقاليم الجنوبية، وتحديدا في فوسبوكراع، بجهة العيون. في نونبر الماضي، ساهم صندوق الإيداع والتدبير بما يقارب ملياري درهم في هذا البرنامج الاستثماري الضخم، الذي يبلغ بشكل إجمالي 23 مليار درهم، ويتضمن على وجه الخصوص توسيع الطاقة الإنتاجية لمنجم فوسبوكراع، وبناء ميناء جديد للفوسفاط لتسهيل الصادرات، وتطوير وحدة إنتاج الأسمدة عالية القيمة المضافة، ويتعلق الأمر بوحدة إنتاج سماد السوبر فوسفاط الثلاثي.

الجديد في القطاع التكنولوجي والصناعي هو أن صندوق الإيداع والتدبير يستعد لتطوير مشروعين ضخمين، هما واديان تكنولوجيان في العيون والداخلة. وتهدف هذه المبادرات إلى خلق مراكز أنشطة ذات قيمة مضافة عالية، تجمع بين الابتكار والخدمات والصناعات الاستراتيجية، مع خلق فرص الشغل على المستوى المحلي وجذب الاستثمارات الدولية. تجسد هذه المشاريع استراتيجية موجهة للتصنيع والتحديث التكنولوجي، مما يعزز تموقع الجهة على الصعيدين الوطني والدولي.

مركز مدينة ومركز حضري للداخلة

على الصعيد الحضري، يخطط صندوق الإيداع والتدبير أيضاء لإنشاء مركز حضري جديد في الداخلة. ويهدف المشروع إلى توفير إطار معيشي عصري وجذاب للساكنة والزوار والمستثمرين. وبحسب خالد سفير، سيمتد المركز الحضري الجديد في الداخلة على مساحة تقارب 30 هكتارا. ويتمثل الهدف في إنشاء مركز مدينة يضم ساحة مركزية، بالإضافة إلى منطقة تجارية ومنطقة مكاتب وفندق يليق بطموحات المدينة.

وتندرج هذه المبادرة في إطار مقاربة تنموية متوازنة تجمع بين التوسع العمراني والسياحة والنمو الاقتصادي. وفي هذا الصدد، ينطلق صندوق الإيداع والتدبير إلى نجاحاته السابقة والحالية في مجال التهيئة العمرانية. وإذا كان حي الرياض في الرباط لا يحتاج إلى تعريف، فإن كازا أنفا يبرز كمركز أعمال رائد في المملكة، إلى جانب مشاريع أخرى. وينضاف إلى ذلك المدينة البيئية زناتة في منطقة المحمدية، والتي من المؤكد أن تكون من المشاريع العمرانية المهمة في السنوات القادمة.

ينخرط صندوق الإيداع والتدبير أيضا في تطوير السياحة في الأقاليم الجنوبية من خلال المساهمة في تحسين العرض الحالي. ويتجلى ذلك بوضوح في اقتناء وتطوير مؤسسة فندقية في مدينة الداخلة. وأكد المدير العام أن « السياحة متطورة للغاية في مناطق أخرى من المغرب، لكن الأقاليم الجنوبية لا تزال بحاجة إلى دفعة حقيقية. لدينا إرادة راسخة للمساهمة في ذلك ».

تجمع هذه المبادرات بين التعمير، ومجمعات التكنولوجيا، والبنية التحتية للطرق، والسياحة، لخلق حلقة إيجابية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي إطار هذه الاستراتيجية الشاملة، يتموقع صندوق الإيداع والتدبير كفاعل عمومي محفز، متبعا نهجا ناجحا في مناطق أخرى من المغرب: المساهمة في التنمية، والهيكلة المجالية، ثم تمكين القطاع الخاص من التوسع. وأوضح خالد سفير قائلا: « لا ينخرط القطاع الخاص إلا بعد توفير البنية التحتية الأولية. ويقع على عاتقنا تمهيد الطريق ». وتضمن هذه المقاربة أثرا مضاعفا على الاستثمارات العامة، ويعزز جاذبية المنطقة للمستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.

إنها أكثر من مجرد فلسفة، إنها منهجية عمل صندوق الإيداع والتدبير. فعلى مدى أكثر من ستة عقود، لعب الصندوق دورا رائدا في بروز قطاعات اقتصادية جديدة وإنشاء صناعات مهيكلة في المغرب، متدخلا بشكل ممنهج كمستثمر صبور ومحفز حيث لا يكون القطاع الخاص جاهزا بعد.

وبفضل قدرته الفريدة على حسن استغلال الموارد، وأفقه الاستثماري طويل الأجل، وخبرته في المجال العمراني، كان الصندوق القوة الدافعة وراء منظومات صناعية كبرى: مناطق عالمية المستوى في مجال الطيران والفضاء والسيارات (ميدبارك، المنطقة الحرة الأطلسية)، ومنصات خدمات الأوفشورينغ والخدمات الرقمية (كازا نيرشور، تكنوبوليس، فاس شور)، ومشاريع حضرية كبرى مثل حي الرياض، وبنيات تحتية لوجستية وترابية أعادت تموقع المغرب ضمن سلاسل القيمة العالمية.

لم تقتصر هذه الدينامية الرائدة على القطاعات الإنتاجية فحسب، بل كان صندوق الإيداع والتدبير أحد أهم مهندسي تحديث النظام الوطني في المجال المالي والبنكي. فقد ساهم في إصلاح وهيكلة الأسواق المالية، ودعم تحول بنك القرض العقاري والسياحي إلى فاعل رقمي رائد، وطور سي دي جي كابيتال كمنصة للهندسة المالية والتمويل المعقد، وعزز الاستثمار الخاص من خلال صناديق متخصصة، وقوى قدرات إعادة التأمين الأفريقية، وأضفى طابعا مهنيا على تدبير الأصول قبل الانسحاب التدريجي بعد نضوج السوق. ومن خلال استراتيجيتها المتمثلة في المبادرة وتقليل المخاطر والتحويل إلى القطاع الخاص، دعم صندوق الإيداع والتدبير بروز قطاعات بأكملها مع ترسيخ أسس نظام مالي قوي ومتنوع وذو سيادة.

وتندرج استراتيجية صندوق الإيداع والتدبير في الأقاليم الجنوبية المغربية في إطار هذا المسار، وتتميز برؤيتها المندمجة والطموحة لتحديث البنيات التحتية، وإنشاء وديان تكنولوجية ومجمعات الأفشورينغ، والتنمية الحضرية في الداخلة، والانتقال الطاقي، وتحفيز السياحة والاستثمار الخاص. والهدف في نهاية المطاف تحويل الصحراء المغربية إلى منطقة استراتيجية حقيقية لمستقبل البلاد الاقتصادي.

تحرير من طرف le360
في 18/12/2025 على الساعة 12:37