استثمار بمليارات الدراهم، ومساحة تزيد عن 200 هكتار، وهدف تجهيز مليون سيارة كهربائية سنويا... يكفي دخول مصنع كوبكو في الجرف الأصفر لإدراك حجم التحول الصناعي الذي يعرفه المغرب. مجمع صناعي مترامي الأطراف، يضم شبكة من الأنابيب والوحدات الآلية والمختبرات المتطورة.
يقف وراء هذه المعلمة الصناعية فاعلان يتمتعان بخبرة مؤكدة. مجموعة المدى، صندوق استثماري مغربي ذو امتداد إفريقي، يتمتع برؤية مستدامة للتنمية، وسي إن جي آر، الشركة الصينية الرائدة عالميا في تصنيع بطاريات الليثيوم أيون، والتي تنتشر في أكثر من 30 دولة، وهي شريك لعلامات تجارية مرموقة مثل تسلا وإل جي.
«لسنا جيغا فاكتوري، لكننا متخصصون في الجزء الأولي من منظومة البطاريات»، توضح زينب زريوحي، المديرة العامة المساعدة لشركة كوبكو. هذا التمييز جوهري، لأن مصنع الجرف الأصفر لا يصنع البطاريات مباشرة، بل ينتج أحد أهم مكوناتها، وهو المركب الأولي النيكل والمنغنيز والكوبالت (المعروف بـNMC). يمثل هذا المنتج الاستراتيجي وحده ما يقارب من ثلث قيمة البطارية الكهربائية، والتي تمثل بدورها ما يصل إلى 40% من تكلفة السيارة الكهربائية. بمعنى آخر، تهتم شركة كوبكو بالمرحلة التي تحقق أكبر قيمة مضافة.
مشروع رائد عالمي الأبعاد
افتتح هذا المصنع في 25 يونيو، وهو مصنع تاريخي من أكثر من زاوية. وأكدت زينب زريوحي قائلة: «إنه أول مصنع للمركبات الأولية للبطاريات خارج آسيا». بطاقة إنتاجية أولية تبلغ 40.000 طن سنويا من المركبات الأولية، قابلة للتوسع إلى 120.000 طن سنويا على المدى الطويل، وبذلك يصبح المغرب من الدول القليلة في العالم القادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة لأسواق السيارات في أوروبا وأمريكا الشمالية.
Au sein de la base industrielle de production de matériaux pour batteries électriques de COBCO.
إن اختبار الموقع الاستراتيجي في الجرف الأصفر، بالقرب من أحد أهم الموانئ في المغرب، ليس مجرد صدفة. وأوضحت زينب زريوحي: «إنه موقع استراتيجي. إنه يسهل توريد المواد الخام مع تحسين الصادرات إلى أسواقنا الدولية».
نموذج صناعي دائري ومستدام
يعد مصنع كوبكو نموذجا للاندماج الصناعي الدائري. فهنا تندرج عملية التصنيع تقريبا ضمن الهندسة الكيميائية، داخل عملية معقدة ومنظمة بدقة متناهية. يبدأ كل شيء بإذابة المواد الخام الأساسية -النيكل والكوبالت والمنغنيز- ثم تنقيتها لإزالة جميع الشوائب. بعد سلسلة من الجرعات الدقيقة، تخلط العناصر بنسب دقيقة لتلبية معايير ومتطلبات الزبناء الدوليين.
التفاعل الكيميائي، وهو القلب النابض للمصنع، يستعمل الأمونيا والمحاليل القلوية والمواد المضافة في مفاعلات كبيرة. وأوضح مهندس إنتاج في المصنع: «تعمل مفاعلاتنا باستمرار»، فيما أكدت المديرة العامة المساعدة قائلة: «لا شيء يخرج من هنا دون مراقبة صارمة. كل منتوج غير مطابق للمعايير يعاد تدويره في المصنع».
ولكن إلى جانب الرهانات الصناعية، لدى كوبكو طموح بيئي واضح. وأكدت زينب زريوح بفخر: «بحلول عام 2026، سيعمل مصنعنا بنسبة 100% بالطاقة الخضراء المغربية». خلال هذه السنة، وصلت نسبة الطاقة الخضراء المستعملة في المصنع إلى 80%. يعاد تدوير المياه المستخدمة بالكامل أو تحليتها للحفاظ على الموارد المحلية، كما أن إعادة تدوير البطاريات منتهية الصلاحية جزء لا يتجزأ من نموذج الاقتصاد الدائري للشركة.
التكوين في قلب المنظومة
يعتزم كوبكو توفير 3600 منصب شغل مباشر وغير مباشر. منذ انطلاق المشروع، أقامت كوبكو شراكات مع جامعات ومعاهد محلية لتكوين الكفاءات اللازمة لتطوير هذه الصناعة الدقيقة. وقالت زينب زريوحي: «نحن نعتمد على الكفاءات المغربية».
ولهذه هذه المعلمة الصناعية بعد استراتيجي. فكوبكو يعد أول أساس في منظومة البطاريات ومكوناتها، وهي منظومة ضرورية لدعم صناعة السيارات الوطنية المصدرة في تحقيق التحول العالمي الحتمي نحو التنقل الكهربائي. إن هذا المصنع يتيح للمغرب فرصة تعزيز ريادته الإقليمية في صناعة السيارات اليوم وغدا.
كما يعزز الإطلاق الناجح لهذا المشروع جاذبية المغرب. فبالإضافة إلى المشاريع الجارية، مثل «BTR» و«Gotion»، سيحدث هذا المشروع تأثيرا إيجابيا لدى الفاعلين الدولية الآخرين، المنجذبين بالنموذج الذي تقترحه هذه الوحدة الصناعية الأولى. ومن هنا يمكن أن تتولد بسرعة منظومة جديدة فوق التراب الوطني.