إن اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي تحظى دائما باهتمام كبير لأنها توفر نظرة على الاقتصاد العالمي من خلال التقارير المختلفة حول آفاق النمو في مختلف المناطق والبلدان الرئيسية في العالم.
وتأتي هذه التوقعات هذا العام، في ظل السياق السياسي والاقتصادي العالمي الذي يتسم بعدم اليقين المتزايد. بالإضافة إلى الأزمة الروسية-الأوكرانية التي دخلت عامها الرابع، وما حملته من آثار سلبية على سلاسل التوريد وعلى العديد من الاقتصادات، فقد تزايدت حالة عدم اليقين مع مخاطر العودة إلى سياسة الحماية التجارية التي يدعو إليها الرئيس الأميركي الحالي، والتي تجسدت في الرسوم الجمركية التي أعلن عنها. وهو وضع من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل التجارة الدولية ويؤثر سلبا على نمو الاقتصادات العالمية، وخاصة اقتصادات البلدان الإفريقية. وفضلا عن ذلك، فإن وقف المساعدات العامة (الوكالة الأميركية للتنمية الدولية) والتمويل الأميركي (حساب تحدي الألفية)، وفرض الرسوم الجمركية، حتى لو تم تعليقها لمدة ثلاثة أشهر، ووضع حد لاتفاقية أغوا التي تتيح حرية ولوج العديد من المنتجات الإفريقية إلى السوق الأميركية... من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم اختلالات الاقتصاد الكلي في العديد من البلدان الإفريقية. وسوف يؤثر هذا على الاقتصادات الصغيرة والقوية في القارة على حد سواء.
وفي هذا الإطار، كيف سيتطور الناتج الداخلي الخام للاقتصادات الإفريقية الكبرى؟ وأين ستكون أغنى 10 دول في القارة بحلول عام 2030، وفقا لأحدث توقعات صندوق النقد الدولي؟
يشار إلى أن هذا التصنيف يعتمد على الناتج الداخلي الخام، أي الثروة التي يتم إنشاؤها في كل بلد على مدى عام واحد، وفقا لمعطيات صندوق النقد الدولي. ويتم التعبير عن حساب وتوقعات الناتج الداخلي الخام بالأسعار الجارية (بالقيمة الاسمية)، أي أن القيمة السوقية لجميع السلع والخدمات يتم قياسها باستخدام سعر السوق الحالي (لكل بلد)، ويتم التعبير عن القيمة الإجمالية التي يتم الحصول عليها بعد ذلك بالدولار الأمريكي، من أجل المقارنة. هذا المؤشر، وهو الأكثر استخداما، ليس مثاليا، مع العلم أن الناتج الداخلي الخام بالأسعار الحالية يكون مضللا في بعض الأحيان لأنه يمكن تضخيمه بالتضخم. وثانيا، بما أن جميع القيم مقومة بالدولار الأميركي، فهذا يعني أن مقارنات الناتج الداخلي الخام للدول قد تكون غير دقيقة بسبب التقلبات في أسعار صرف العملات المختلفة.
ومع ذلك، يظل الناتج الداخلي الخام بالأسعار الجارية المقومة بالدولار هو المؤشر الرئيسي الذي تستخدمه المؤسسات المالية والإنمائية لحساب ومقارنة خلق الثروة في البلدان.
وبحسب هذه الطريقة الحسابية، من المتوقع أن يرتفع الناتج الداخلي الخام للدول الإفريقية الـ54 من 2.891 مليار دولار في عام 2023 إلى 3.945 مليار دولار في عام 2030، أي بزيادة قدرها 36.46%. ورغم هذا النمو القوي، تظل أفريقيا قزمة اقتصاديا. مع أن القارة تضم 17% من سكان العالم وموارد طبيعية كبيرة (النفط والغاز والمعادن والأراضي الصالحة للفلاحة وإمكانات الطاقة المتجددة، وما إلى ذلك)، فإن الناتج الداخلي الخام للقارة سيمثل حوالي 2.70% فقط من الثروة العالمية خلال الفترة 2023-2024.
كما أن النمو الذي تسجله الاقتصادات الإفريقية الكبرى سيكون متباينا، بسبب عوامل عديدة. وبالإضافة إلى التأثيرات المرتبطة بديناميات الاقتصادات المختلفة، فإن التطورات سوف تتأثر بسلوك العملات، وتأثيرات الوضع العالمي غير المؤكد، وقدرات البلدان على التكيف، والسياسات الاقتصادية، واكتشافات الموارد الجديدة، وأساليب الحكامة، وغيرها.
وفضلا عن ذلك، ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن الثروة التي تم إنشاؤها على المستوى القاري تتركز إلى حد كبير في عدد قليل من البلدان. وبالتالي، فإن أقوى 10 اقتصادات في إفريقيا لديها ناتج داخلي خام تراكمي قدره 2069 مليار دولار في عام 2023 (أي 71.56 % من الناتج الداخلي الخام للقارة) ومن المتوقع أن تصل إلى ثروة تراكمية قدرها 2697 مليار دولار في عام 2030 (أي 68.36% من ثروة القارة).
وبحسب معطيات المؤسسة، ستشهد هذه الدول العشر زيادة في خلق الثروة خلال الفترة 2023-2030، باستثناء نيجيريا التي من المتوقع أن ينخفض ناتجها الداخلي الخام من 364 مليار دولار في عام 2023 إلى 297 مليار دولار فقط في عام 2030.
Évolution des PIB et des rangs des 10 pays les plus puissants d'Afrique sur la période 2023-2030.. Le360 Afrique/Youssef
إن أغنى عشر دول في إفريقيا هي، بشكل عام، الأكثر سكانا في القارة (نيجيريا وإثيوبيا ومصر)، والغنية بالموارد الطبيعية (جنوب أفريقيا والمغرب)، والموارد الهيدروكربونية الكبيرة (الجزائر ونيجيريا وأنغولا)، والغنية بالموارد الفلاحية (ساحل العاج وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا والمغرب وجنوب أفريقيا) وذات الاقتصادات المتنوعة (جنوب أفريقيا والمغرب ومصر ونيجيريا).
وفي هذا السياق فإن مصر، القوة الاقتصادية الإفريقية الأولى في عام 2023 بناتج داخلي خام يبلغ 394 مليار دولار، قبل أن تفقده في عام 2024 لصالح جنوب إفريقيا، ستعود إلى الصدارة اعتبارا من عام 2028 وتبقى فيها حتى نهاية الفترة المدروسة (2030)، حيث من المتوقع أن تصل ثروتها إلى 587 مليار دولار، وهو ما يمثل حوالي 15% من الناتج الداخلي الخام للقارة الإفريقية. إن مصر، واحدة من أكثر الاقتصادات تنوعا وقوية بنموها الديموغرافي مع حوالي 115 مليون نسمة حاليا، ستستمر في الاستفادة من الإصلاحات الاقتصادية المؤلمة التي اتخذت في السنوات الأخيرة، ومن موقعها الجيوستراتيجي، ومن السياحة التي تهدف إلى زيادة عدد زوارها إلى 30 مليون بحلول عام 2028، ومن الفلاحة التي ستستفيد من الأنهار الاصطناعية الطموحة في الصحراء، ومن صناعتها المتنوعة نسبيا، ومن المداخيل الكبيرة التي تجلبها الجالية الكبيرة التي يزيد عددها على 10 ملايين نسمة، ومن موارد الغاز...
كل هذه العوامل تجعل الناتج الداخلي الخام لمصر ينمو بنسبة 49% (+193 مليار دولار)، ليرتفع من 394 إلى 587 مليار دولار خلال الفترة 2023-2030.
ومع ذلك، فإن اعتماد البلاد القوي على المصادر الخارجية (المساعدات والتبرعات والواردات) يجعل هذه الاحتمالات هشة في مواجهة الصدمات الخارجية.
خلف مصر تأتي جنوب إفريقيا، القوة الاقتصادية الثانية في القارة في عام 2023، قبل أن تنتزع المركز الأول من مصر في عام 2024 وستحافظ عليه حتى عام 2027، تظل الدولة الأكثر تصنيعاً في القارة والأكثر تنوعاً اقتصادياً (الصناعة، والفلاحة، والسياحة، وغيرها). ومن المتوقع أن ينمو الناتج الداخلي الخام لجنوب أفريقيا بنسبة 28.61% (+ 110 مليار دولار) من 381 مليار دولار إلى 490 مليار دولار خلال الفترة 2023-2030.
ولكن في حين أن الاستقرار النسبي للعملة في جنوب إفريقيا يعد أحد المزايا، فإن الحكامة (وخاصة الفساد)، وانعدام الأمن، وانقطاع التيار الكهربائي، والآثار الدورية للتوترات السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب، من شأنها أن تعطل نمو البلاد في السنوات المقبلة. جنوب إفريقيا هي الدولة الأكثر تضررا في إفريقيا من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، لأنها كانت المستفيد الرئيسي من قانون النمو والفرص في إفريقيا، وهو الاتفاق الذي سمح بحرية الولوج لآلاف المنتجات الإفريقية إلى السوق الأميركية.
وتأتي لنيجيريا خلف هاتين الدولتين. فهي أكبر دولة من حيث عدد سكان في القارة مع أكثر من 220 مليون نسمة. في عام 2024، فقدت هذه الدولة مكانتها الثالثة كقوة اقتصادية في القارة، حيث سينخفض ناتجها الداخلي الخام إلى 188 مليار دولار فقط، مقارنة بـ364 مليار دولار في العام السابق، لصالح الجزائر (الناتج الداخلي الخام 265 مليار دولار). وهو وضع نتج بشكل رئيسي عن الانخفاض الحاد في قيمة العملة النيجيرية مقابل الدولار.
وعلى الرغم من استئناف نمو الاقتصاد النيجيري (3.1% في عام 2024، وتوقعات بنسبة 3.6% في عام 2025 و3.8% في عامي 2026 و2027)، وفقا للبنك الدولي، فإن العملة المحلية، النيرة، استمرت في خسارة قيمتها مقابل الدولار بعد قرار السلطات النيجيرية بإنهاء التعادل الثابت مع الدولار. وهكذا، في حين كان سعر الدولار الواحد يساوي 460 نيرة فقط في بداية يونيو 2023، فإنه يصل حاليا (25 أبريل 2025) إلى 1609 نيرة مقابل الدولار الواحد. ونتيجة لهذا فإن الثروة التي يولدها الاقتصاد النيجيري، إذا ما تم قياسها بالدولار الأميركي، مع ثبات جميع العوامل الأخرى، لا يمكن إلا أن تنخفض بشكل حاد، على الرغم من معدلات النمو السنوية الإيجابية.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية العام الحالي، أظهرت النيرة مرونة معينة مقابل الدولار مع انخفاضها بنسبة -3.7% في 4 أشهر. ورغم هذه المرونة، فإن الانخفاض الحاد في قيمة النيرة سيستمر في التأثير سلبا على الثروة التي يولدها الاقتصاد النيجيري بمجرد التعبير عنها بالدولار الأميركي. وهذا الوضع يفسر لماذا لن يبدأ الناتج الداخلي الخام بالأسعار الحالية المعبر عنها بالدولار في الاقتصاد النيجيري في إظهار نمو قوي إلا خلال الفترة 2028-2030. بعد أن فقدت نيجيريا مكانتها كثالث أكبر اقتصاد في القارة، فإنها ستستعيد مكانتها بحلول عام 2030، متجاوزة الجزائر بقليل بناتج داخلي خام يبلغ 297 مليار دولار.
ستتمكن نيجيريا من الاعتماد على استئناف إنتاجها النفطي، الذي ارتفع إلى 1.55 مليون برميل يوميا في عام 2024، وهو مستوى لم يتم الوصول إليه منذ سنوات عديدة، والاستثمارات الاستراتيجية الكبيرة، بما في ذلك مصفاة دانغوتي النفطية، والبنية التحتية (الطرق السريعة والسكك الحديدية، وما إلى ذلك)، وقبل كل شيء، على الأداء الأفضل لعملتها، وهو سبب فقدان مكانتها كقوة اقتصادية أولى في القارة.
يشار إلى أن تأثير سعر الصرف على تطور الناتج الداخلي الخام لوحظ أيضا على الاقتصاد الإثيوبي بعد خفض قيمة البر الإثيوبي في عام 2024. بعد ذلك، انخفض الناتج الداخلي الخام للبلاد من 160 مليار دولار في عام 2023 إلى 143 مليار دولار في عام 2024 ومن المتوقع أن ينخفض أكثر إلى 117 مليار دولار في عام 2025، وفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي. وسيؤدي هذا إلى تراجع البلاد إلى المرتبة السابعة بين القوى الأفريقية في ذلك التاريخ قبل أن ترتفع لاحقا إلى 233 مليار دولار في عام 2030.
بالنسبة للجزائر، كان تأثير «إعادة تحديد أساس» حساب الناتج الداخلي الخام الذي قامت به السلطات الجزائرية بعد أخذ القطاع غير المهيكل في الاعتبار في حساب الثروة التي تم خلقها، سببا في ارتفاع الناتج الداخلي الخام للبلاد في عام 2024 إلى 265 مليار دولار، مما دفعها إلى المرتبة الثالثة بين القوى الاقتصادية الإفريقية. ومن المتوقع أن ترتفع الثروة المنتجة خلال الفترة 2023-2030 بنسبة 17.34% (43 مليار دولار)، وذلك بفضل تأثير إعادة تحديد أساس حساب الناتج الداخلي في عام 2024 والاستقرار الاصطناعي للدينار مقابل الدولار. ومع انفصال سعر الصرف الرسمي عن الواقع الاقتصادي، كما يتضح من الفارق بين السوق الرسمية والسوق الموازية (132 دينارا مقابل دولار واحد في السوق الرسمية مقارنة بـ240 دينارا لنفس الدولار في السوق الموازية)، فإن مستوى الناتج الداخلي الخام مبالغ فيه.
ويواجه الاقتصاد الجزائري، الذي يعتمد بشكل كبير على المحروقات التي توفر 95% من عائدات صادراته، صعوبة في تنويع اقتصاده. ومن المتوقع أن يؤثر انخفاض أسعار النفط سلبا على الاقتصاد الجزائري خلال الفترة 2025-2027، حيث يرتبط نمو الناتج الداخلي الخام بشكل وثيق بسعر المحروقات. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن ينمو الناتج الداخلي الخام بشكل طفيف للغاية خلال الفترة 2024-2026، ليرتفع من 265 مليار دولار إلى 269 مليار دولار.
وبالمقابل، سيشهد الاقتصاد المغربي، الذي يعد من بين الأكثر تنوعا في القارة إلى جانب جنوب أفريقيا، نمو ثروته المنتجة من 144 مليار دولار في عام 2023 إلى 225 مليار دولار في عام 2030، أي بزيادة قدرها 56.25% (+81 مليار دولار).
ورغم معاناته من موجات جفاف متكررة في السنوات الأخيرة، أظهر الاقتصاد المغربي علامات الصمود، وخاصة بفضل تنويع اقتصاده. بالإضافة إلى القطاع الفلاحي الحديث، أصبح الاقتصاد المغربي مدفوعا الآن بـقطاع السيارات، الذي أصبح المصدر الرئيسي للصادرات في البلاد، متقدما على الفوسفاط والأسمدة، ولكن أيضا بأنشطة صناعية أخرى بما في ذلك صناعة الطيران والخدمات. وبعد أن احتلت المملكة المرتبة الخامسة بين الاقتصادات الإفريقية في عام 2024، على حساب إثيوبيا، فمن المتوقع أن تحافظ على هذه المكانة حتى عام 2029.
ومن المتوقع أن يعزز التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 مع إسبانيا والبرتغال الاقتصاد المغربي خلال الفترة 2025-2030، وذلك بفضل تطوير البنية التحتية (المطارات والطرق السريعة والملاعب والفنادق وغيرها) والسياحة، إلخ.
وخلف هذه الدول الست، من المتوقع أن تكتمل قائمة أكبر عشر قوى اقتصادية في القارة بحلول عام 2030 بكينيا (بناتج داخلي خام يساوي 162 مليار دولار)، وأنغولا (145 مليار دولار)، وساحل العاج (135 مليار دولار)، وتنزانيا (132 مليار دولار). وباستثناء أنغولا، التي يعتمد اقتصادها على المحروقات، فإن اقتصادات البلدان الأخرى تعتمد على الفلاحة. وهذا ينطبق بشكل خاص على ساحل العاج، أكبر منتج في العالم للكاكاو والكاجو، حيث من المتوقع أن يرتفع ناتجها الداخلي الخام من 80 مليار دولار في عام 2023 إلى 145 مليار دولار في عام 2030، أي بزيادة قدرها 81.25% (+ 65 مليار دولار).
ومع ذلك، فإن توقعات صندوق النقد الدولي في السنوات الأخيرة لا تعكس الواقع. ويمكن تفسير ذلك بالعديد من حالات عدم اليقين التي لا يستطيع خبراؤها السيطرة عليها: كوفيد-19، وانخفاض قيمة العملة، والانخفاض المفاجئ أو الارتفاع في أسعار السلع الأساسية، والتغيرات في السياسات الاقتصادية، إلخ.
















