الطوارئ المناخية والتحديات اللوجستية: منها المغرب.. لماذا راهنت دول إفريقية على السكة الحديدية؟

السكك الحديدية تفرض نفسها كعمود فقري لعدد من الاقتصادات الإفريقية

في 02/10/2025 على الساعة 13:14

في العديد من الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، الاعتماد الوحيد على الطرق يفاقم العواقب البيئية ويعيق حركة البضائع والأفراد. لذلك، راهنت ثلاثة دول في إفريقيا — مصر، المغرب، والكاميرون — على السكك الحديدية. تحليل نماذج هذه الدول الثلاث يكشف استراتيجيات مختلفة لكنها تتقارب نحو نمو شامل.

هل يمكن للسكة الحديدية في إفريقيا أن تفكّ الازدحام عن الاقتصادات؟ في مواجهة التحديين المزدوجين المتمثلين في النمو الاقتصادي والطوارئ المناخية، تستثمر بعض الدول الإفريقية بشكل استراتيجي في شبكاتها الحديدية.

تمثّل الكاميرون، مصر، والمغرب هذا التحول، مبيّنة كيف أن السكة الحديدية، بخلاف كونها وسيلة للتنقل، تصبح ركنا أساسيا في التنافسية القارية، مع إعادة تعريف للتبادل، التكامل الإقليمي، والاستدامة.

كما يشير البنك الدولي، إن النمو الاقتصادي والتمدّن السريع في إفريقيا يزيدان الطلب على اللوجستيات. الاعتماد التاريخي على الطرق يسبّب ازدحاماً، تلفا سريعا في البُنى التحتية، تكاليف لوجستية مرتفعة للغاية، وآثار جانبية هامة مثل تلوث الهواء وارتفاع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

في كثير من الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، الاعتماد الأساسي على الطرق سيزيد الازدحام والعواقب البيئية والصحية. إذ تنبثق السكة الحديدية كحل منهجي يجمع بين التنمية وتقليل الكربون.

ثلاثة نماذج، ثلاث تأثيرات: الربط، التسييل، خفض الكربون

الكاميرون تتبع أول نهج، يركز على تحسين سلاسل اللوجستيات العابرة للدول. مشروع النقل المتعدد الوسائط في الممر الحيوي دوا لا – نجامينا يجسّد هذا النهج المتكامل.

من خلال تحديث 17 مفترق سكة حديدية، تركيب معابر آمنة على مستوى المساواة، وإصلاح 55 جسراً، مكمّلة بالاستثمارات المحددة في الطرق، حقّق الكاميرون مكاسب ملموسة: انخفاض يزيد على 7٪ في تكلفة نقل حاوية بحجم 20 قدم بين 2012 و2022 (من 6000 إلى 5560 دولار) حسب تقرير البنك الدولي.

كما تم تقليل وقت الرحلة بساعتين لــ75٪ من المُستفيدين. هذا التحسن في الكفاءة اللوجستية يعزز مباشرة تنافسية التبادل مع تشاد، ويخفض تكلفة الواردات/الصادرات، ويُسهّل تدفقات اقتصادية عبر الحدود.

مصر تعتمد النهج الثاني، عبر مشاريع ضخمة لتحسين القدرة والكفاءة والأمن في محاورها الرئيسة. مشروع التنمية اللوجستية القاهرة–الإسكندرية ومشروع RISE (تحسين السكك الحديدية والسلامة في مصر) على الممر الإسكندرية–نجع حمادي يسعيان إلى تحول شامل.

الأثر هنا إنساني وأمني أولا: نحو 30 مليون شخص يستفيدون من وصول أفضل إلى البُنى التحتية وخدمات النقل المستدامة، منهم 16.5 مليون شاب. يستهدف مشروع RISE بشكل خاص السلامة، مع هدف تقليل الإصابات الخطِرة والوفيات لكل مسافر بأكثر من 20٪ بين 2019 و2027.

من خلال ربط عشرات الملايين من المصريين بطريقة أكثر أماناً وموثوقية، تصبح السكة الحديدية أداة شمول اجتماعي-اقتصادي وإنتاجية وطنية. يهدف مشروع RISE إلى تحسين الأمان وجودة الخدمة بدرجة كبيرة، مؤكّداً على ضرورة الاعتمادية للتنافسية.

المغرب يعتمد النهج الثالث، برؤية متكاملة. المملكة تنفّذ استراتيجية قطارات طموحة، تعتمد على ثلاثة ركائز تكميلية.

الأولى: البُنى التحتية في الدار البيضاء وخط السرعة العالية (LGV)، خاصة بإطلاق 260 كلم من خطوط جديدة، منها خط السرعة العالية القنيطرة–مراكش (430 كلم)، وتطوير ثلاث خطوط قطارات حضرية قريبة (TMP – 92 كلم) بكثافة عالية (حتى قطار كل 7,5 دقائق).

الرّكيزة الثانية: المراكز متعددة الوسائط الجديدة، مع بناء ثلاث محطّات ضخمة (كازابلانكا-الجنوبية، ملعب الحسن الثاني الكبير، مطار محمد الخامس) صمّمت كمحفّزات حضرية واقتصادية. محطة كازابلانكا-الجنوبية، على سبيل المثال، ستدمج بين القطار السريع، الخطوط الرئيسية، TMP، والقطارات الإقليمية، إضافة إلى الأيرو-إكسبرس، مع مداخل سلسة إلى الترامواي والحافلات عالية الخدمة. تهدف المحطة إلى استيعاب تدفقات متزايدة وتعزيز ظهور حي أعمال ديناميكي، مما يحوّل السكة الحديدية إلى عمود فقري للتنقّل داخل الحاضرة وجذب اقتصادي.

الرّكيزة الثالثة تتعلق بالنظام الصناعي الوطني. وتشمل شراكة استراتيجية مع شركة Hyundai Rotem لاقتناء 48 قطاراً للقطارات الحضرية والإقليمية (من أصل 110)، منها 40 سيتم تجميعها وتصنيعها محلياً.

العقد الموقع مع الشركة الكورية الجنوبية يتضمن إنشاء مصنع محلي يساهم في تنمية النظام الصناعي المغربي، ويسهم في نقل التكنولوجيا وخلق فرص العمل.

تُعرض هذه المنشأة كأحد مكونات النظام السككي، ومركز مرجعي لتغطية الاحتياجات الوطنية المستقبلية، والمشاركة كذلك في تحقيق طموح التصدير على المدى المتوسط.

نقل التكنولوجيا والمهارات يُعدّ رافعة رئيسية للتنافسية على المدى الطويل، محدثاً قيمة مضافة محلية ووظائف مؤهلة (21 ألف وظيفة متوقعة في LGV منتصف 2026). «هذه المشاريع تشكّل بمحرك فعلي لتطوير النظام الصناعي الوطني»، حسب كلام Luciano Fernandes Borges، مدير قسم المعدات لدى المكتب الوطني للسكك الحديدية.

رافعة مناخية وتنافسية جديدة

إلى جانب السيولة والربط، تُعد هذه الاستثمارات أدوات قوية لإزالة الكربون. الانتقال من الطريق إلى السكك الحديدية، كما يظهر في الهند حيث يقوم قطار شحن بطول 1 كلم بحلّ محل 72 شاحنة، يقلّل بشكل كبير من الانبعاثات. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن مشاريع الممرات المخصصة في الهند ستتيح خفضاً بنسبة 57٪ في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول 2042 مقارنة بعام 2010.

رغم أن التوقعات الخاصة بإفريقيا ليست مفصلة في هذا السياق، فإن المنطق متماثل. فالمشاريع المغربية والمصرية والكاميرونية، عبر تشجيع حلول نقل جماعي منخفضة الانبعاث الكربونية وانسجامها مع توجّهات الاستدامة الاستراتيجية، تشارك في بناء تنافسية مرنة، أقل اعتماداً على الوقود الأحفوري وتكاليف التلوث الخارجية.

التمويل والشراكات: مفتاح التوسع

تحقيق هذه الطموحات يتطلب تمويلات ضخمة وشراكات استراتيجية. البرنامج المغربي (96 مليار درهم، منها 20 مليار للدار البيضاء) يُموَّل بشكل رئيسي من المكتب الوطني للسكك الحديدية (70٪) ومن الجهة (30٪).

مصر والكاميرون تستفيدان من دعم البنك الدولي، الذي من المتوقع أن ينمو محفظته الحديدية (4.5 مليار دولار في 2025) إلى أكثر من 6 مليارات دولار خلال الخمس سنوات القادمة.

البنك الدولي يدعو إلى نهج متكامل يجمع بين تمويل البُنى التحتية، إصلاح السياسات والتنظيمات، وتعزيز القدرات. التمويلات المشتركة، مع وكالة التنمية الفرنسية، الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، وغيرها من الوكالات العامة للتعاون الدولي والتنمية، تُعدّ أيضاً أساسية لتوزيع المخاطر وتبادل الخبرات.

لسكة الحديد دور يتخطّى مجرد البُنى التحتية

الاستثمارات في السكك الحديدية في الكاميرون ومصر والمغرب لا تقتصر على بناء القضبان أو شراء القطارات. بل تعيد تحديد التنافسية على الأقل في ثلاث أبعاد رئيسية.

أولاً من خلال تحسين الكفاءة اللوجستية وخفض التكاليف. عن طريق سيولة الممرات، ربط الأسواق، وتقديم بدائل موثوقة وكبيرة للحركة على الطرق، تقلّل السكة الحديدية من كلفة التبادلات والتنقلات، مما يعزز الجاذبية الاقتصادية.

ثانياً، بكونها أداة أقل انبعاثاً بطبيعتها، تمكّن السكة الحديدية من التوفيق بين النمو والالتزامات المناخية، وتشكل تنافسية أقل تعرضاً لتقلبات أسعار الطاقة الأحفورية وتكاليف الكربون المستقبلية.

ثالثاً، من خلال ربط المناطق المعزولة، إنشاء مراكز متعددة الوسائط، وتطوير أنظمة صناعية محلية، تُعزّز السكك الحديدية التكامل بين الأسواق وترتّقي بالقيمة المضافة القارية.

في النهاية، لم تعد السكة الحديد خياراً؛ بل أصبحت العمود الفقري للتنافسية المستدامة لإفريقيا في المستقبل.

التحدي المقبل: توسيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص

التحدي الآن يكمن في تسريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتحقيق هذا التحول الجيو-اقتصادي على نطاق واسع، حيث تصبح الكفاءة اللوجستية والضرورة المناخية وجهين لعملة واحدة في حداثة جديدة.

تحرير من طرف مودست كوامي
في 02/10/2025 على الساعة 13:14