ورغم أن هذه التساقطات لم تشمل جميع المناطق المجاورة لإقليم العيون، فإن شمال المدينة، بما فيه «عين تيسكراد» ومناطق أخرى، شهدت بدورها تشكل عدد من البحيرات الطبيعية والضايات، التي تحولت إلى قبلة للعديد من الشاحنات الصهريجية دون انقطاع، قصد جلب ماء الغدير ونقله إلى «الآبار المنزلية» التي لا يكاد يخلو منها بيت صحراوي، والمعروفة محليا باسم «النطفية»، وهي البئر المخصصة لماء الغدير المرتبط أساسا بتحضير الشاي.
وخلال جولة بهذه الضواحي، لوحظت حركية غير عادية للشاحنات الصهريجية ذهابا وإيابا دون توقف، حيث اِلتقينا بعدد من سائقي هذه الشاحنات، من بينهم السالك بيبي، الذي صرّح بأنه قدم خصيصا على متن شاحنته الصهريجية من مدينة السمارة لملئها من إحدى البحيرات الطبيعية، قصد بيع حمولتها لإحدى العائلات الصحراوية بمدينة السمارة نفسها، في رحلة قد تتجاوز ثلاث ساعات، بالنظر إلى حمولة شاحنته متوسطة الحجم.
وفي السياق ذاته، أكد عدد من سائقي الشاحنات الصهريجية أن تجارة ماء الغدير تُعد مربحة، رغم طابعها الموسمي المرتبط أساسا بالتساقطات المطرية، لكون ثقافة المجتمع الحساني مرتبطة ارتباطا وثيقا بالغدير، الذي لا يُحضّر الشاي بدونه، لما يضفيه من نكهة خاصة، باعتباره مياها طبيعية، يحرص السائقون على الحفاظ على جودتها من منبعها إلى غاية وصولها إلى المستهلك في حالتها الطبيعية.
ومن جهته، قال إبراهيم التروزي، المهتم بالثقافة الحسانية، خلال جولة بإحدى ضواحي مدينة العيون قرب إحدى البحيرات الطبيعية المتشكلة بفعل مياه الأمطار، إن الشاي لدى الحسانيين لا يكون كذلك إلا إذا ارتبط بماء الغدير، مشيرا إلى الثقة المتبادلة التي تجمع بين سائق الشاحنة الصهريجية والزبون، ومؤكدا أن هذه المياه تظل طبيعية ولا يُقبل استعمالها إلا بعد مرورها بمراحل التصفية والتنقية والتخلص من الشوائب، باستعمال مواد توزعها المصالح البلدية والفلاحية المختصة.
وتجدر الإشارة إلى أن نشاط الشاحنات الصهريجية بمدينة العيون لا يرتبط فقط بالتساقطات المطرية من عدمها، بل يشمل أحيانا الآبار التي تُجهّزها المصالح المائية في المناطق التي تعرف تجمعات مائية، والتي يستعملها الكسّابة أيضا في سقي ماشيتهم، حيث تُنقل المياه من عمق الصحراء في مختلف الاتجاهات، ما يضمن استمرارية هذا النشاط وتحقيق هامش من الربح، بحسب المسافات التي تقطعها هذه الشاحنات، والتي يطلق عليها سكان العيون اسم «الكوبة»، وهي تسمية يُرجّح أن يكون أصلها من كلمة «الكوب» في اللغة العربية الفصحى.




