وفي الوقت الذي كشفت فيه في دول مثل السنغال عن ديون مخفية، يكثف بنك التنمية الإفريقي جهوده لإحداث نقلة نوعية في تدبير الديون في إفريقيا. وفي هذا السياق، نشر البنك، مؤخرا، تقريره بعنوان: «تدبير الديون المستدامة -تعزيز استدامة الديون وشفافيتها في جميع أنحاء إفريقيا».
يقدم هذا التقرير نظرة عامة وقيمة على الجهود الجارية والتحديات المستمرة في جميع أنحاء القارة. كما يمكن مصلحة الحكامة والإصلاحات الاقتصادية في بنك التنمية الإفريقي من بناء تدخلها على خمسة ركائز أساسية: الإصلاحات السياسية، وتقوية القدرات، وشفافية الديون، والشراكات المؤسسية، وتدبير القيادة والمعرفة.
الهدف واضح: تحويل الدين إلى رافعة للتنمية بدلا من أن يكون عبئا، من خلال حماية الاستقرار الاقتصادي الكلي وتوفير الحيز المالي اللازم للاستثمارات المهيكلة. وهكذا، يكمن جوهر التحدي في هذا التحول، حيث يجب تقييم كل قرض بناء على مساهمته الحقيقية والمستدامة في الاقتصاد، وليس فقط على مدى إمكانية الولوج إليه فورا.
Le président Faustin-Archange Touadéra lors du lancement de la Table ronde des investisseurs consacrée au financement du Plan national de développement (PND) 2024-2028. Dans ce pays, la traque les dettes occultées est devenue une priorité nationale.
تقدم ملموس ولكنه متفاوت
يشير تقرير بنك التنمية الإفريقي إلى إحراز تقدم ملحوظ في تعزيز تدبير الديون المستدامة، على الرغم من أن حجمها لا يزال متفاوتا. منذ عام 2021، تمت الموافقة على أكثر من 45 عملية حكامة خاصة بالديون، معظمها (30) تستهدف البلدان التي تعاني من ضائقة مالية أو المعرضة لخطر المديونية المفرطة، مما يظهر التزاما حاسما بمنع الأزمات وحلها.
وبالموازاة مع ذلك، يعد بناء القدرات المؤسسية ركيزة أساسية، حيث تم تدريب أكثر من 1500 مسؤول على تقنيات أساسية مثل تحليل الديون وتدبير المخاطر والتفاوض، وهي أسس لا غنى عنها للتدبير الاستباقي والمستنير. على الصعيد التنظيمي، تحقق تقدم ملموس في اعتماد أكثر من 40 قانونا وسياسة واستراتيجية وطنية تهدف إلى تحسين حكامة الديون، مثل قانون الشركات العمومية في الكونغو واستراتيجية تدبير الديون متوسطة الأجل المحدثة في الموزمبيق.
وفي ما يتعلق بالشفافية، تكشف المعطيات عن تحسن عام واضح، حيث ارتفع عدد البلدان التي توفر تغطية «كاملة» لديونها العامة من 18 دولة في عام 2020 إلى 26 دولة في عام 2024. ومع ذلك، فإن هذا الرقم يخفي التفاوتات والهشاشة. يشير التراجع الملحوظ في عام 2024 (ثماني دول بدون معطيات أو تغطية غير كاملة، مقارنة بست دول في عام 2023) واستمرار الفجوات المتعلقة بالديون الطارئة وديون الشركات العمومية بوضوح إلى أن هدف الشفافية الكاملة لا يزال بعيد المنال بالنسبة للعديد من الدول الإفريقية، مما يعرض اقتصاداتها لمخاطر خفية مهمة.
توضح المشاريع التي تدعمها مصلحة الحكامة والإصلاحات الاقتصادية في بنك التنمية الإفريقي في عام 2023 بوضوح الحاجة إلى تكييف التدخلات مع التحديات الخاصة بكل بلد، مما يعكس تنوعا في المقاربة الأساسية. في جمهورية إفريقيا الوسطى، ينصب التركيز على تتبع الديون «المنسية» وتوحيدها من خلال نشر نشرات دورية تتضمن هذه العقود المهملة. أما في ساو تومي وبرينسيبي، فينصب الجهد على تعزيز الكفاءات الأساسية من خلال تكوين موظفي مديرية الديون على تدبير الديون وتحليل استدامة الدين، مع مشاركة مستهدفة من النساء.
تعد الرقمنة واندماج المعطيات من الأولويات الرئيسية للعديد من الدول: إذ تعمل جيبوتي على وضع دليل لتبسيط تبادل معلومات الديون بين المؤسسات، وتعمل أخيرا على دمج الديون المرهقة للشركات المملوكة للدولة في المتابعة الوطنية. وتنشر الصومال وغانا نظام «خطوط الطول للكومنولث» المتطور، حيث تعمل الأولى على تحديث إدارتها من خلال ترقيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بينما تعمل الثانية على إنتاج ونشر تقارير سنوية يسهل الوصول إليها بشكل ممنهج.
تحفز إدارة المخاطر المرتبطة بالمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، وهي مصدر رئيسي للديون الخفية، اتخاذ إجراءات محددة. وهكذا، تقوي زيمبابوي تقاريرها المالية وتجري عمليات تدقيق معمقة. كما فرضت جمهورية الكونغو تقديم معطياتها المالية بموجب القانون. أما كينيا فتعزز الرقابة على ضمانات الدولة من خلال نشر تقارير من لجنة مخاطر الميزانية.
ويجسد التخطيط الاستراتيجي متوسط الأجل في نشر أو تحديث استراتيجيات تدبير الديون متوسطة الأجل في الموزمبيق وغامبيا، إلى جانب بناء القدرات في الموزمبيق للاستفادة من أدوات الدين المبتكرة المتعلقة بالمناخ، بينما تلتزم موريتانيا بإصدار تقرير سنوي عن الديون يلبي المعايير الدولية.
وأخيرا، يعالج التدبير التشغيلي والمخاطر المحددة، لا سيما في جزر القمر، من خلال وضع أدلة إجراءات صارمة ونشرة مخصصة لمخاطر سعر الصرف/العملة. وفي جنوب إفريقيا، يهدف إجراء ملموس إلى الحد من التعرض للمخاطر الجماعية من خلال تبسيط إجراءات إلغاء التراخيص للجماعات المتعثرة.
المغرب: مسار استباقي يتماشى مع أهداف البنك الإفريقي للتنمية
يجسد المغرب إمكانات التقدم. فنسبة دينه إلى الناتج الداخلي الخام تشهد انخفاضا مطردا (67.7% في عام 2024 مقابل 72.2% في عام 2020)، بل ويستهدف أن تكون أقل من 60% بحلول عام 2027. ويستند هذا الأداء إلى انضباط مالي حذر رغم تزايد أعباء الديون (مدفوعات فوائد بقيمة 3.7 مليار دولار على مدى تسعة أشهر في عام 2025)، وتمويل محلي في المقام الأول يحد من مخاطر سعر الصرف (4.5 مليار دولار من أصل 7.1 مليار دولار من احتياجات عام 2025)، واستثمار عام مستدام في البنية التحتية.
ويضرب المثل بالمملكة في ما يخص التقدم في الشفافية، مما يسهم في حكامة أكثر صرامة. خاصة وأن التحليلات المغربية تركز على نقطة حاسمة: الاستدامة الحقيقية تتطلب سياسة نمو مدمجة تتجنب الحلول المحاسبية المصطنعة. وهذا بالضبط هو روح توصيات البنك الأفريقي للتنمية.
وهكذا، تعيد التطورات التي وثقها بنك التنمية الإفريقي تعريف ديناميات جميع الفاعلين الاقتصاديين بشكل أساسي. بالنسبة للحكومات والإدارات، وخاصة مديريات الديون، فإنّ اقتناء الأدوات التكنولوجية (مثل ميريديان) والأدلة التشغيلية والتكوين المتخصص يعزز قدراتها التقنية، ولكنه يصاحبه تزايد في ضغوط المساءلة: إذ أصبح الالتزام بالنشر المنتظم، ودمج المعطيات في عملية وضع الميزانية، والالتزام الصارم باستراتيجيات الدين متوسطة الأجل، من الضروريات، وكذلك التدبير الاستراتيجي لديون الشركات العمومية، التي أصبحت الآن أساسية.
تشهد البرلمانات ومؤسسات الرقابة تحولا في دورها: إذ يوفر تعزيز الأطر القانونية وتزايد توافر المعطيات التفصيلية أساسا متينا لممارسة رقابة أكثر فعالية على الديون والمخاطر المالية، مما يقلل من مواطن الخلل السياسي.
وبالنسبة للمستثمرين والدائنين، تخفف الشفافية الناشئة -وإن كانت لا تزال ناقصة -من حالة عدم اللايقين المرتبطة بـ«الديون الخفية»، بينما يحسن مهنية منظمات تدبير الديون ووضوح متطلبات خدمة الديون متوسطة الأجل من إمكانية التنبؤ بسياسات الاقتراض، مما يعزز الثقة، وربما يخفض تكاليف التمويل متوسطة الأجل.
من جانبها، تستفيد المنظمات الدولية والجهات المانحة من زيادة وضوح الرؤية بشأن الاستدامة الفعلية والممارسات الوطنية، مما يتيح توجيها أدق للمساعدات (مثل برنامج دعم استدامة الدين العام) وحوارا تقنيا أكثر فعالية، لا سيما وأن تعزيز القدرات المحلية يعزز الآليات متعددة الأطراف مثل الإطار المشترك لمجموعة العشرين لإعادة الهيكلة.
وأخيرا، بالنسبة للقطاع الخاص المحلي والمواطنين، توفر هذه التطورات حماية من الأزمات المفاجئة: فالديون المدبرة بشكل أفضل تحد من خطر صدمات التقشف أو التخلف عن السداد، بينما يحافظ على الحيز المالي للاستثمارات (البنية التحتية، والأهداف الخمسة العليا) يتيح فرصا اقتصادية ملموسة. كما يعزز تعزيز الشفافية نقاشا عاما مستنيرا حول خيارات التمويل الوطنية، مما يعزز الشرعية الديمقراطية لسياسات الديون.
وهكذا، يكشف تقرير البنك الإفريقي للتنمية عن دينامية إفريقية لا تنكر نحو تدبير دين عام أسلم وأكثر شفافية واستراتيجية. ويتم توظيف الأدوات، وتطوير المهارات، وتعزيز الأطر. وتظهر دول مثل المغرب إمكانية اتباع مسار فعال. ومع ذلك، لا تزال التحديات هائلة. ويعد تحقيق الشفافية الكاملة، لا سيما في ما يتعلق بالديون الخفية للشركات العمومية والمخاطر الطارئة، أمرا بالغ الأهمية.
ولا تزال القدرة على تحويل الدين إلى محفز حقيقي للتنمية في مواجهة الصدمات (المناخ، والطاقة، كما في جنوب إفريقيا) هي الاختبار النهائي. ويتمثل التحدي الآن، بالنسبة لجميع الفاعلين، في الالتزام الحازم بهذا المسار الملح والضروري الذي حدده البنك الإفريقي للتنمية: مسار خدمة الدين للمستقبل، لا عبء على الأجيال القادمة.









