في نهاية شهر أبريل الماضي، هدد النظام الجزائري بفسخ عقده مع إسبانيا بعد أن قررت مدريد والرباط عكس مسار تدفق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي، الذي تم توقيفه منذ نهاية أكتوبر 2021.
وتماديا في مواقفها العدائية تجاه المغرب، عبرت الجزائر عن قلقها من أن يتم تزويد المغرب بالغاز الجزائري أثناء عملية عكس مسار تدفق خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوربي. لم يتأخر رد فعل مدريد، إذ أشارت إلى الموافقة بالسماح للرباط باستخدام المنشآت الإسبانية الخاصة بإعادة تحويل الغاز لمعالجة مشتريات المغرب من الغاز الطبيعي المسال فقط في السوق الدولية.
وقالت انتصار فقير، مديرة برنامج شمال إفريقيا والساحل، في تقرير لمركز أبحاث الشرق الأوسط (Middle East Institute)، إن "احتمالات وقف إلتزامات الجزائر في مجال الطاقة لإسبانيا، الشريك الأوروبي الرئيسي، تظل ضعيفة".
"سوناطراك، وهي شركة الطاقة الوطنية في الجزائر، غير مستعدة لفسخ العقود الدولية وتعريض علاقتها مع زبون رئيسي للخطر لعدة أسباب. ففي الوقت الذي الجزائر أكدت أن اتفاقها الحالي يستبعد نقل الغاز الجزائري إلى المغرب وطمأنت مدريد الجزائر بأن هذا الأمر لن يحصل. سيكون من الصعب، هذا إن لم يكن من المستحيل، على الجزائر التحقق من مصدر المزود بالضبط"، وفق ما أكدته انتصار فقير في مقال نشرته بعنوان "مقاربة الجزائر المتشددة تجاه المغرب يمكن أن يكون لها تأثير على العلاقات الطاقية مع إسبانيا".
وأشارت مديرة برنامج شمال إفريقيا والساحل (المدير العام لمجموعة المكتب الشريف للفوسفاط، مصطفى التراب، هو عضو في المجلس الاستشاري لهذا البرنامج) إلى أنه من بين الخيارات التي اعتمدتها الحكومة المغربية نجد استئجار منشأة لمعالجة الغاز الطبيعي المسال.
وذكر مركز التفكير الذي يوجد مقره في واشنطن قائلا: "وتحقيقا لهذه الغاية، قام مسؤولون مغاربة في فبراير الماضي بزيارة إلى قطر العملاق في مجال تصدير الغاز، وذلك لتأمين كميات الغاز الطبيعي المسال. وظلت علاقات المغرب مع قطر قوية، لا سيما خلال الحصار الذي فرض عليها من قبل دول الخليج في عام 2017، وهو أمر لم تنساه الدوحة".
وأضاف: "ونظرا لتكلفة استئجار منشأة إعادة تحويل الغاز، لجأ المغرب بدلا من ذلك إلى إسبانيا لتسهيل معالجة الغاز الطبيعي المسال الذي سيتم ضخه بعد ذلك عبر خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي. كما أن خطط عكس مسار تدفق الغاز كانت جارية منذ شهور وقد وافقت إسبانيا على طلب المغرب طالما أن الحكومة المغربية قادرة على تأمين إمداداتها الخاصة من الغاز في السوق الدولية".
الولايات المتحدة ونيجيريا وقطر.. خيارات متعددة
وأكدت وزيرة الانتقال الطاقي، ليلى بنعلي، خلال مؤتمر صحفي عقدته يوم الجمعة 15 أبريل الماضي، أن وصول الشحنات الأولى المخصصة لتزويد محطتي الكهرباء في تهدارت وعين بني مطهر كانت "مسألة أيام فقط"، مشيدة بـ"الفرق المغربية التي تمكنت من تطوير قدرة تفاوضية في مواجهة تجار من ذوي الخبرة"، على الرغم من أن المغرب بالكاد "يدخل سوق الغاز الطبيعي المسال الدولي".
ليلى بنعلي، التي تبدو غير راضية عن الحجم الذي طلبه الطرف المغربي (المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن) والذي اعتبرته غير كافٍ وأقل مما كانت ترغب فيه، فإنها مع ذلك رحبت بدخول المغرب إلى سوق الغاز الطبيعي المسال الدولي.
وأكدت الوزيرة بهذا الخصوص قائلة: "لقد تلقينا عشرات الردود. ويتعلق الأمر بعقود متوسطة الأجل، دون الخوض في تفاصيل هذه العقود (السعر والكمية والدولة المزودة).
وأكدت الوزيرة قائلة: "لست عضوة في اللجنة الخاصة المكلفة بملف الغاز"، مضيفة أن الإعلان عن موعد تسليم أول شحنة سيكون في الأيام المقبلة.
بعد أكثر من أسبوعين على الخرجة الإعلامية للوزيرة، لا تزال محطتي توليد الكهرباء في تهدارت وعين بني مطهر متوقفتين عن العمل، ولم تتسرب بعد أي معلومات عن صفقة الطاقة الجديدة بين المغرب وإسبانيا.
وبحسب الموقع الإخباري اللندني "رأي اليوم"، فإنه من المفترض أن تصل ناقلات الغاز الطبيعي المسال المستأجرة من قبل المغرب عبر المحيط الأطلسي من الولايات المتحدة أو نيجيريا (بدون استبعاد قطر)، قبل تفريغ الشحنات في ميناء هويلفا في الأندلس، والبدء في عملية الضخ إلى وسط خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي الواقع في قرطبة.
وبدلا من الاكتفاء بمزود واحد، يتابع مركز التفكير، يسعى المغرب لتنويع مصادر مزوديه، بسبب صعوبة الحصول على الغاز من السوق الدولية (ندرة الغاز والسعر المرتفع) وبسبب الصراع المسلح بين روسيا وأوكرانيا.
وأشار الموقع اللندني إلى أن "استيراد الغاز قد يكلف المغرب سبعة أضعاف السعر الذي كان يتلقاه من الجزائر عبر خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي. لكن المغرب لا يحتاج إلى كميات كبيرة من الغاز، مما يسهل عليه الحصول على الكميات التي يرغب فيها في السوق الدولية".