ما نبحث عنه اليوم ليس الانسلاخ من الهوية الثقافية المغربية في سبيل القبض عن مفاهيم ذات صلة بـ « العالمية » و« الكونية ». بل نحن في حاجةٍ اليوم في زمن عولمةٍ أصبح فيها العالم أشبه ما يكون بقرية صغيرة تختفي فيها الحواجز بين الدول، أن نعيش الما بين عاملين على خلق ثقافتنا انطلاقاً من تاريخنا وذاكرتنا، لكنْ في نفس الوقت الانفتاح على تحولات الثقافة كما يعرفها العالم. ساهم انفتاح الأدباء المغاربة على الغرب في توسيع نصوصهم وتقوية لغتهم ومتخيّلهم كما لو أنّهم كانوا في حاجةٍ إلى الآخر للتعبير عن محنهم وآلامهم وإشكالاتهم. في حين تجاوزت بعض التجارب العربية ما كتبه الغرب أدبياً.
اعترافاتٌ كثيرة من مؤسسات وجامعات بأهمية ما كتبه بعض الأدباء العرب في سبيل البحث عن لغةٍ خاصّة لا تشرط نفسها بالغرب ولا تحاول أنْ تجعل من الغرب صنماً، بل تتعامل معه كثقافة مغايرة عن الثقافات الوطنية. بيد أنّ عملية البحث عن المختلف والمُدهش في ثقافتا المغربية ليس سهلاً، بل يفرض طريقة تفكير مختلفة تحاول أنْ تستغلّ التراث وتسعى جاهدة إلى التعريف به وبمعالمه، لكنْ دون محاكاته بطريقةٍ ميكانيكية.
إعادة إنتاج التراث هو عنصر أساسي من الحداثة، لكنْ من خلال البحث له عن أفق حداثي جديد. تشكيلياً، أتاح الاهتمام بالتراث بالنسبة لفريد بلكاهية ومحمّد شبعة وأحمد الشرقاوي ومحمّد المليحي سفراً بصرياً عمل هؤلاء الفنانين على إعادة استعادة التاريخ المغربي، عاملين على القطع مع التراث الفني الغربي ومحاولة البحث عن أسئلة جديدة أكثر تجذّراً في التربة المغربية وذاكرتها. اعتبرت هذه الحركة التراث أشبه ببراديغم منه تتبلور الصور والمواقف والآراء والأحلام وفق طريقةٍ تُتيح لهم البحث عن لغةٍ تشكيلية نابعة من الجسد المغربي، سواء تعلّق الأمر باستلهام العلامة (الشرقاوي وشبعة) أو استخدام مواد محلية (بلكاهية) أو تكسير من حدة المنظور الغربي باستخدام أشكال هندسية تمتح ملامحها الجمالية من التراث العربي الإسلامي، كما هو الحال لدى المليحي.