تشهد الجامعة المغربية اليوم، تراجعاً كبيراً في كل النواحي التي تجعلها مؤثّرة في راهن المجتمع. ذلك إنّها لم تعُد مؤثرة بندواتها ولقاءاتها ومؤلفاتها ونقاشاتها التي ظلّت منذ السبعينيات تُمارس سُلطة على المجتمع من ناحية التوجيه. اليوم أغلب ما يتم تنظيمه داخل هذا الفضاء قد لا يعرف بأمر تنظيمه حتّى رجل الإعلام، ما يعني أننا أمام فضاءات مرتبكة ومنغلقة على نفسها ولا يهمّها على الإطلاق ما يدور في المجتمع الذي يبق الجسد المعني بالثقافة ومتخيّلها. فالثقافة عبارة عن عملية بناء لقيمٍ ومواقف وأفكار تدعو في عمقها إلى إخراج المجتمع من براثن الجهل والتقليد. في حين أنّ الثقافة الغرض منها تنمية المجتمع وتقوية فكره وحثّه على عيش نمطٍ حياتي مغاير بعيد عن طبيعة ونمط المجتمع التقليدي. لم يعُد للجامعة أيّ دور داخل المجتمع وذلك لأنه تم افراغها من كلّ ما كانت تتضمّنه من أبعادٍ ثقافية ظلّت إلى حدود تسعينيات القرن العشرين مؤثّرة بأفكارها. فكلّ ما كان يشغل الوسط الثقافي من أفكار ومفاهيم وإيديولوجيات ونظريات كان نابعاً في أحيانْ كثيرة من الفضاء الجامعي ومن لدن أساتذة لبعوا دوراً كبيراً في تقدّم البحث العلمي وتأطير الطلبة وتشجيعهم على التفكير وارتياد آفاق البحث بكل ما كان يطبعه آنذاك من صعوبة في البحث والموارد وغيرها.
الجامعة الآن تعيش خارج الثقافة المغربية، فهي فضاءٌ معنيّ بأمورٍ تاريخية لا علاقة لها بتحوّلات الواقع. فإذا كانت البحوث فيما سبق عبارة عن مشاريع ثقافية تُشكّل أفقاً للتفكير والمعرفة، فإنّها اليوم عبارة تقطيع وتلصيق وإعادة اجترار أفكار ونظريات في قوالب جديدة دون الإحالة على أصحابها. إنّنا أمام فضاء منغلق على ذات يُكرسّ الاجترار والفكر الأحادي وينبذ معه كل ما له علاقة بالتعدّد والاختلاف. ورغم المجهودات الكبيرة التي يقوم باحثون وأساتذة داخل الجسم الجامعي بكلّ ما يجترحونه من أفكار ومعارف، إلاّ أنّ الرداءة تنتصر عليهم وتجعلهم يصابون بالإحباط ويبتعدون عن كلّ شيء. ليست الجامعة فضاء للتلقين، وإنها مختبر للتفكير والبحث العلمي، هذا الأخير، الذي به تتقدّم المجتمعات ويجعلها تعيش حياة ثانية بعيداً عن مظاهر التخلّف والتأخرّ والضياع. وبالتالي، فحين تُصبح هذه الجماعات جامدة تقتصر على التدريس والتلقين وبدون أيّ بحوث علمية، فإنّ المجتمع يكون المتضرّر الأكبر من هذا الفراغ الذي المُستشري في الجسد الجامعي.