فندق «اللباطة» بفاس العتيقة.. إرث حضاري بمصير مجهول يئن تحت وطأة الإهمال

فندق «اللباطة» بفاس العتيقة

في 16/11/2025 على الساعة 13:54

فيديولطالما شكلت معالم فاس العتيقة ذاكرة نابضة بالحياة، تنطق بتاريخ مدينة حافظت عبر القرون على تراثها وصناعاتها التقليدية، غير أن بعض هذه الجواهر المعمارية بدأ يفقد بريقه ويتحول إلى مساحات من الإهمال، في مشهد يهدد جزءً من الهوية التي جعلت من فاس قبلة للباحثين عن العمران التاريخي وروعة الهندسة المعمارية.

فعلى بعد خطوات من درب بوحاج بالطالعة الكبرى، يبرز فندق «اللباطة» كأحد الشواهد التاريخية البارزة التي تعود إلى العهد المريني، حيث كان في زمن مضى فضاء نابضا بحرف الدباغة التقليدية والصناعات الجلدية، ومحطة يتوقف عندها الزوار لاكتشاف ملامح التراث الحرفي للمدينة، غير أن هذا الصرح العريق يعيش اليوم تراجعا مؤلما، بعدما تحول إلى فضاء مهجور تملؤه النفايات وتغمره الأزبال، في مشهد صادم لا ينسجم مع قيمته التراثية، ولا مع الموقع السياحي الذي يحتضنه قلب فاس العتيقة.

وفي تصريحات متفرقة لـLe360، عبر عدد من الصناع التقليديين، خصوصا حرفيي الدباغة، عن معاناتهم المستمرة منذ سنوات طويلة من تبعات الإهمال المتواصل الذي أصاب فندق «اللباطة»، الذي يمثل جزءً جوهريا من هويتهم الحرفية وذاكرة تراثية غنية لا تقدر بثمن. وأكد عدد منهم في أن الحالة المزرية التي وصل إليها الفندق اليوم هي نتيجة واضحة لغياب الصيانة والترميم اللازمين للحفاظ على هذه المعلمة التاريخية.

وأشار الصناع إلى أن ترك هذا الفضاء العريق دون عناية جعله يتحول تدريجيا إلى أطلال متهالكة، رغم أنه كان إلى عهد قريب، شاهدا على حركية حرفية وصناعية ارتبطت بصناعة الجلد والدباغة التقليدية.

وفي هذا السياق، أكد أحمد الإدريسي بن صالح، صانع تقليدي، في تصريح لـLe360، أن السياح الذين يزورون فاس كثيرا ما يتوقفون أمام فندق «اللباطة» لجمال مظهره الخارجي الذي يجذب انتباههم، إلا أن صدمتهم تكون كبيرة عند دخولهم، حيث يجدون أروقة الفندق مغطاة بالأزبال، والبناية في حالة تدهور واضحة، ما يبرز تناقضا صارخا بين المظهر الخارجي والحالة المتردية التي يعانيها من الداخل.

ومن جهته، أوضح عبد الله العرفاوي، رئيس جمعية معلمي اللباطة بفاس العتيقة، أن الفندق يعود تاريخه إلى القرن الرابع عشر الميلادي، حيث شيد في عهد المرينيين، وكان يضم صناع اللباطة الفنية، ويعتبر مركزا حيويا للحرف التقليدية في المدينة، مشيرا إلى أن الفندق يحتوي على نحو 60 دكانا كانت تشهد نشاطا تجاريا ملحوظا وحركية حيوية حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي.

وأضاف العرفاوي أن الحالة الراهنة للفندق تعتبر مزرية للغاية، رغم وجود مبادرة لإصلاحه في عام 2018، إلا أن تفشي جائحة كورونا في 2020 تسبب في توقف كافة الأنشطة. وفي عام 2022، تم توجيه مراسلات عدة إلى الجهات المعنية من أجل ترميم الفندق، لكن، حتى الآن، لم تسجل أي نتائج تذكر، وبقي الوضع على حاله دون أي تحسن.

وشدد المتحدث ذاته على أن استمرار الوضع الحالي يشوه صورة الحرف التقليدية لدى الزوار ويقوض الجهود المبذولة لتثمين التراث اللامادي لفاس العتيقة، مطالبا بتدخل عاجل يعيد لهذا الفندق مكانته المستحقة ويحميه من اندثار وشيك.

وفي السياق ذاته، أعرب عبد الناصر العماري، رئيس جمعية معلمي الدباغة بشوارة بفاس، عن أسفه البالغ تجاه حالة هذا الإرث العمراني الذي تحول إلى مكب للأزبال، وهو المكان الذي يتوقف عنده السياح أثناء زيارتهم للطالعة الكبرى.

وأكد العماري أن السياح يقصدون فاس العتيقة بالدرجة الأولى لاكتشاف معالمها العمرانية الأثرية إلى جانب صناعاتها التقليدية، مشيرا إلى أن دار الدبغ تمثل رمزا حيويا لهذه الحرف، خاصة وأن المدابغ التقليدية لا توجد إلا في فاس، وأضاف أن فندق «اللباطة» يعد عنصرا مهما ضمن دار الدبغ ويمثل جزءً لا يتجزأ من هذه الحرفة التراثية، وجب ترميمه حفاظا على هذا الإرث الثمين للأجيال القادمة.

تحرير من طرف يسرى جوال
في 16/11/2025 على الساعة 13:54