بدأت قصة انتشار هذه الأغنية من منصة الفيديوهات القصيرة « تيك توك »، قبل أن تنتشر بسرعة خلال الأسابيع الماضية عبر بقية منصات مواقع التواصل الاجتماعي، لتتحول على مدى أيام إلى « ترند » بعد حصدها لملايين المشاهدات والتعليقات الإيجابية.
رقص على أنغام هذه الأغنية المفعمة بالطاقة الإيجابية عدد من المشاهير المغاربة والعرب والأجانب صغارا وكبارا، ورددوا كلماتها الأمازيغية الحاملة للسلام والمحبة والتفاؤل والأمل، مما ساهم في إعادة إحياء هذه الأغنية بعدما أقبرها النسيان لسنوات.
وتحمل الأغنية، التي صدرت عام 2006، ترقيم 216 ضمن أزيد من 500 أغنية صوتية و70 شريطا مصورا أبدعها الرايس الحسين الباز خلال مسيرته الممتدة من سنة 1979، وما زال إلى اليوم يتحف جمهوره داخل المغرب وخارجه برصيد فني حافل بالعطاء، وأعمال أغنت الخزينة الفنية الأمازيغية بالمغرب وظلت خالدة في ذاكرة الأجيال منذ ثمانينيات القرن الماضي.
وحاول Le360 التواصل مع الفنان الحسين الباز قصد الحديث باستفاضة حول مساره ووضعه الصحي، غير أنه اعتذر عن التواصل مع الإعلام لأسباب وصفها بالشخصية، بيد أنه كشف خلال تصريح مقتضب لـle360 أنه بصدد طرح عمل فني جديد بمناسبة رأس السنة الجديدة 2024.
فيديو من قناة لفنان الحسين الباز على منصة يوتيوب:
لهذا تألقت أغنية صباح الخير أياجديگ أومليل
بالنسبة للفنان العربي إحيحي، زميل الفنان الحسين الباز ورفيقه الدائم، فإن نجاح أغنية « صباح الخير أياجديگ أومليل » ليس مفاجئا، لكون « الرايس الباز، رائد أغاني الحب والغزل، طالما حقق بأغانيه النجاحات تلو الأخرى بفضل براعته في اللحن والأداء واختيار الكلمات التي تترك صداها في قلوب المستمعين ».
وأوضح الرايس العربي إحيحي، في تصريح لـLe360، أن هاته الأغنية تجسدت فيها عدة عوامل جعلتها تتألق عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وعزا إحيحي عودة هذه الأغنية وانتشارها بقوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى « الطاقة الإيجابية التي تزرعها في النفوس بفضل لحنها العذب، والأمل الذي تلقيه في القلوب بفضل قاموس كلماتها المتفائلة ».
ويتقف مع الرايس العربي إحيحي في ما ذهب إليه، الناشط الإعلامي لحسن باكريم، حيث يؤكد أن أغنية « صباح الخير أياجديگ أومليل » تحولت إلى ظاهرة فنية تجذب المشاهدين وتلهمهم برسالتها الإيجابية وجمالياتها الفنية، بفضل جمالية اللغة والعبارات التي تحمل في طياتها قيما إيجابية ورسائل ملهمة.
إقرأ أيضا : بالفيديو-كريمة غيث: «فخورة بإنتمائي الأمازيغي وأستتمتع بالتمثيل»
وقال باكريم، في تصريح لـle360، إن « النجاح الكبير الذي حققته أغنية صباح الخير يعود إلى عدة جوانب. أولاً، جودة الأداء والفن الأمازيغي الأصيل، الذي يلامس قلوب الجماهير بعمق. ثانيًا، القيم الإيجابية التي تحملها الأغنية، حيث تعزز التفاؤل والأمل في الظروف الصعبة. وثالثًا، استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مما ساهم في انتشارها بشكل واسع ».
بالإضافة إلى كل العوامل السالفة، يستطرد الناشط الإعلامي باكريم ليضيف أن السر في هذا التألق مرتبط أكثر بالفنان الذي أدى الأغنية برقة وعاطفة تجذب الاهتمام وتلامس وجدان المستمع. « السر وراء العودة القوية لهذه الأغنية من الزمن الجميل، يكمن في كون الأغنية تحمل بصمات الفنان الحسين الباز، رائد الأغنية الأمازيغية الذي يوصف في الوسط الفني بصاحب الحنجرة الذهبية »، يقول باكريم مؤكدا أن هذا التناغم الفني أسهم في إضفاء جو من الجاذبية والإلهام على الأغنية.
ويقول هذا الإعلامي الذي صاحب الفنان الباز وأجرى معه الكثير من المقابلات: « أغاني الحسين الباز تتميز بجمال الكلمات والألحان، حيث تنسجم رقة وعاطفة في تفاصيلها. أما صوته الحنون فيعزف الألحان ببراعة، وهو يحمل معه تراثًا غنيًا يعبر عن الهوية والتاريخ ».
وأضاف أن نجاح أغنية « صباح الخير أياجديگ أومليل » يأتي كتأكيد على « روعة وجمالية الفن الأمازيغي الأصيل، الذي يحظى بشعبية كبيرة لدى الجمهور المغربي والعربي »، مشيدا بـ »هذا الفنان الموهوب الذي يمتلك حنجرة ذهبية، وصوتًا متميزًا، وحضورًا قويًا، داعيا له بالشفاء العاجل من أجل العودة إلى جمهوره لمواصلة تقديم المزيد من الأعمال الفنية الرائعة ».
ترجمة مقطع من أغنية صباح الخير أياجديگ أومليل
صباح الخير أياجديگ اومليل (صباح الخير أيتها الوردة البيضاء)
يوف داغ غاصاد إضگام (اليوم أفضل من الأمس)
ها تامنت ها اللوز، ها أتاي گ البراد (هاهو العسل واللوز وهاهو الشاي في البراد)
گات الفرح گ القلوب، الخير راد يگيز (اجعلوا الفرح في القلوب، الفرح سيأتي)
الرايس الحسين الباز.. صاحب الحنجرة الذهبية
وُلد في جنان آيت الباز بمنطقة متوگة بإمينتانوت عام 1957. من خلال حنجرته الذهبية وصوته الدافئ، وولج عالم فنون « الروايس » في ريعان شبابه، وهو لم يبرح بعد السادسة عشرة من عمره، من باب مجموعة الرايس « محمد اوتولوكولت » خلال عقد السبعينيات.
وحسب عبد الله بوشطارت، الإعلامي الباحث في التاريخ، الذي نشر مقالا مطولا استعرض من خلاله مسار هذا الهرم الأمازيغي، تحت عنوان « الحسين الباز .. حنجرة ذهبية بارَزت أساطير تيرويْسا في سوس »، فإن الحسين الباز بعدما تعلم أساسيات « تيرويسا » من خلال التدريب على الآلات ونحت الكلمات وصقل الألحان وطريقة النظم والأداء والعرض والإلقاء، قرر أخذ زمام المغامرة بيده والخروج إلى الساحة الفنية.
ويقول هذا الباحث إن الباز بدأ تجواله من قريته إلى إمنتانوت التي التقى فيها مرة أخرى بالفنان أعراب أتيگي، ثم انتقل إلى مراكش حيث كان يشتغل في فندق، وخلال الفترة المسائية كان يلتقي مع فنانين آخرين في ساحة جامع الفناء؛ منهم « الرايس بوالمسايل » و »الرايس بلمودن »، ويشارك معهم في إحياء السهرات المفتوحة على الهواء الطلق في إطار ما يعرف بفنون الحلقة، فتمرس أكثر على العزف على مختلف الآلات كالرباب والناقوس وغيرها...
وبعد أن استعرض بوشطارت المسار الحافل للفنان الحسين الباز، الممتد على مدى أربعة عقود، عبر الباحث عن أسفه الشديد لـ »المصير الذي يعيشه عمالقة الفن الأمازيغي بالمغرب، الراحلون منهم والباقون على قيد الحياة... [ومنهم هذا الفنان] الذي يواجه شبح الضياع والمصير المجهول ».
إقرأ أيضا : وضعية الفنان الأمازيغي تجر وزير الثقافة إلى المساءلة
وتجمع جل تعليقات المعجبين بفيديوهات الحسين الباز بمختلف منصات التواصل الاجتماعي على أن صاحب الحنجرة الذهبية ليس مجرد فنان مبدع فحسب، بل هو سفير يحمل رسالة الفن والثقافة الأمازيغية، مستثمرا تجاربه الفنية ومشواره الطويل، ما يبوؤه في قلوب عشاقه مكانة الاحترام والتقدير على هذا الإرث الفني الذي قدمه وما زال يقدمه.
هكذا، تظل أغنية « صباح الخير أياجديگ أومليل » تحكي قصة نجاح لا تقل أهمية عن جماليات الفن الأمازيغي الأصيل، وتعكس تألق الحسين الباز كفنان لامع في سماء الموسيقى الأمازيغية.