بوعلام صنصال: ملامح من مسار معارض جزائري

الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال

في 23/11/2024 على الساعة 13:12

بورتريببصيرة حادة وقلم جريء، يجسد بوعلام صنصال روح المعارضة الأدبية في جزائر يهيمن عليها الجيش. هذا المسؤول البارز، الذي أصبح كاتبا وشاهدا على عصره عن غير قصد، يفكك الأساطير المحيطة بالأمة الجزائرية، التي باتت رهينة إيديولوجياتها وسردها الوطني المسيس. رواياته، المليئة بالألم والوضوح، ترسم ملامح مجتمع يعاني تحت وطأة الدكتاتورية. إليكم ملامح من حياته.

ولد صنصال في منطقة جبال الونشريس المكسوة بالأرز، حيث تبدو الصخور وكأنها تخدش السماء. لم يكن من المتوقع أن يلج عالم الأدب، لكن الكتابة كانت قدره المتأخر، وكأنها دعوة سماوية. في سن الخمسين، نشر روايته الأولى، ليُثبت أن الأصوات العظيمة لا تتعجل الظهور.

في عام 1962، غداة استقلال الجزائر، كان عمره ثلاثة عشر عاما. نشأ في ظل أجواء من الحماس الديمقراطي، لكنها سرعان ما طغت عليها ملامح استبداد زاحف. شهد وعود المستقبل تتبدد بفعل الصراعات الداخلية لجبهة التحرير الوطني وهيمنة الجيش. ومع تولي بومدين السلطة في عام 1965، تغير كل شيء بشكل جذري.

مسؤول بارز في مواجهة الفساد

في الجزائر العاصمة، انطلق صنصال في مسيرة مهنية لامعة ولكنها مليئة بالتحديات. بصفته مهندسا ودكتورا في الاقتصاد الصناعي، شق طريقه في نظام يجمع بين التكنوقراطيين والعسكريين في مشهد غامض. عمله في وزارة الصناعة، حيث شغل منصبا رفيعا حتى عام 2003، كشف له مدى تغلغل الفساد والمحسوبية والأكاذيب المؤسسية.

قال ذات مرة: « النظام العسكري الجزائري هو آلة تسحق الأحلام، هيدرا ذات ألف رأس تعتاش من دماء شعبها ». هذه الكلمات تلخص إحباطه من الواقع الذي عايشه.

في هذا العالم الكافكاوي، شهد صنصال مشاريع بنى تحتية وهمية، وضغوطا خفية وأحيانا عنيفة لخدمة مصالح نخبة متجذرة في دوائر السلطة. خلال التسعينيات، تحولت هذه المشاهد إلى وقود وعيه السياسي المتزايد. وبفضل تشجيع صديقه الكاتب رشيد ميموني، اتجه نحو الكتابة.

رواية انطلاقة جريئة

أصدر صنصال روايته الأولى « يمين البرابرة » عام 1999، التي لاقت إشادة واسعة. جمعت الرواية بين السياسة والتأمل الذاتي، كاشفة عن آلام شعب تحطمت ذاكرته بعد الاستقلال. وهاجم من خلالها العسكريين الذين « يصنعون التاريخ ويدنسونه »، قائلا: « التاريخ ليس تاريخا عندما يكتب المجرمون أحباره ويمررون الأقلام بينهم. إنه مجرد سجل لأعذارهم ».

تطرقت الرواية لأول مرة إلى قضية البوليساريو، داعيا إلى ترحيلها من الجزائر. هذا العمل جلب له عدة جوائز، مما عزز مكانته على الساحة الأدبية.

بين الرقابة والذاكرة: معركة أدبية من أجل الهوية الجزائرية

تسببت مواقفه الشجاعة، التي اعتبرتها السلطات « غير مقبولة »، في إنهاء مسيرته المهنية كمسؤول رفيع. تم فصله بشكل مفاجئ وصارم، ما دفعه إلى تبني الكتابة كوسيلة للمقاومة.

على مر السنين، برز صنصال كناقد لا يرحم للانحرافات الاستبدادية في بلده. كتابه « بريد مرسل، الجزائر » (2006) كان رسالة غضب موجهة إلى مواطنيه، لكنه واجه الرقابة في الجزائر. من خلال نثر قوي، دعا شعبه إلى كسر قيود النسيان الجماعي المفروض عليهم.

مرآة الإيديولوجيات

في رواية قرية الألماني (منشورات غاليمار، 2008)، يقدم الكاتب مقارنة جريئة بين النازية، التي ترمز إلى السلطة العسكرية الجزائرية، وبين الإسلاموية المتطرفة.

تُصوَّر « القرية الألمانية » هنا على أنها الجزائر. تسرد الرواية قصة شقيقين، هما أبناء نازي سابق وامرأة جزائرية، يكتشفان الماضي البشع لوالدهما. يعيد الكاتب، بمعناه الدقيق، النظر في الأسطورة المؤسسة للجزائر، من خلال تقديم رواية عائلية يُصور فيها الأب كـ« وضيع ». تطرح الأدب الصانصالي رؤية أبوية تثير تساؤلات لدى الأجيال الجزائرية الجديدة. من خلال هذا المنظور أيضا، يندد صنصال بجرائم الجيش خلال العشرية السوداء، حيث يقول: « الإيديولوجيات الشمولية تتغذى من نفس التربة: عمى الجماهير وصمت الضمائر (...) لم أخفف من مسؤولية والدي، الذي لم يكن سوى ترس صغير في آلة ضخمة، ولم أعتبر أن هذه الآلة العمياء كانت لتعمل ولو لثانية واحدة دون الإرادة الراسخة لكل رجل خدمها ».

هذا التحالف غير المشروع بين الجيش والإسلام خلال الحرب الأهلية الجزائرية (1992-2002) سيجد إدانة واسعة بعد عشر سنوات على يد كمال داوود في مقالاته، ثم في عام 2024 في روايته الحوريات.

ديستوبيا للتنديد بالديكتاتورية العسكرية

مع رواية «2084: نهاية العالم» (منشورات غاليمار، 2015)، يخوض الكاتب بوعلام صنصال غمار أدب الديستوبيا. تعد هذه الرواية تحفة أدبية حقيقية، حيث تصف مجتمعا تتحول فيه الديانة إلى ديكتاتورية عسكرية مطلقة. عالم الرواية قاتم وقمعي، لكنه مألوف بشكل مروع. ترسم الرواية صورة لشعب محوَّل إلى مجرد دمى، محروم من أي حرية في التفكير. يستكشف صنصال كيف يستغل الحكم الدين لتكميم الحرية، كاستعارة لاذعة للجزائر المعاصرة، التي « تقدّم للبشرية الخضوع للجهل المقدس كإجابة على العنف الجوهري للفراغ، وتدفع بالعبودية إلى إنكار الذات، بل إلى التدمير الذاتي الصريح، وترفض التمرد كوسيلة لاختراع عالم يتناسب معها، عالم يحفظها على الأقل من الجنون السائد ».

يُوصف سكان هذا المجتمع (الجزائريون) بأنهم « حجاج يُسمح لهم بالتنقل، ليس بحرية، بل وفق جداول زمنية محددة، عبر طرق مرسومة لا يمكنهم مغادرتها، تتخللها استراحات موضوعة في وسط اللاشيء (...) ويتناوب الجنود الفاترو الهمة على حراسة الطرق في نقاط استراتيجية، لمراقبة مرور الحجاج، بفكرة الإشراف عليهم ».

رواية «2084: نهاية العالم» هي أيضا نداء للتمرد في الجزائر. وقد توجت الرواية بالجائزة الكبرى للرواية من الأكاديمية الفرنسية.

موقفه من قضية الصحراء

لم يُخفِ بوعلام صنصال يوما تعاطفه مع المغرب. فهو معروف بقناعاته الفكرية العميقة حول الصحراء الشرقية ومدن تلمسان ووهران ومعسكر، التي وصفها بأنها « مغربية قبل استعمار فرنسا للجزائر ». كما عبّر الكاتب عن موقفه من قضية الصحراء الغربية والبوليساريو. وقد صرّح مؤخرا بأن دعم النظام العسكري الجزائري للبوليساريو هو « مأساة مصطنعة تهدف إلى تحويل الأنظار عن الظلم الداخلي ».

واعتبر الجيش الجزائري « مافيا تستحوذ على ثروات البلاد »، ووصف الصحراء بأنها « ساحة لعب للجنرالات » الذين يعبثون بالتاريخ لترسيخ سلطتهم، قائلا: « النظام العسكري اخترع البوليساريو لزعزعة استقرار المغرب. الجزائر أرادت نظاما شيوعيا في المنطقة، وقبل كل شيء، لم تكن تريد أن يقارن الجزائريون أنفسهم بالمغاربة ويقولون إنهم هناك يعيشون أفضل وأكثر حرية ».

هذه المواقف الشجاعة جلبت لبوعلام صنصال عداء شرسا من السلطات الجزائرية. فقد تم اعتقاله في الجزائر العاصمة يوم 16 نونبر، بتهم خطيرة تتعلق بـ« الخيانة » و »المساس بالأمن الوطني ». وهو ما يبرز الثمن الباهظ لصراحته في سياق يُعادل فيه انتقاد النظام عملا من أعمال التمرد.

ومع ذلك، لم يكن الصمت يوما خيارا لهذا الكاتب الملتزم. بوعلام صنصال أكثر من مجرد كاتب: لقد أصبح، رغما عنه، حصنا منيعا للمقاومة، ورمزا للنضال ضد قهر نظام غير عقلاني.

تحرير من طرف كريم سراج
في 23/11/2024 على الساعة 13:12