إعلامية بتفكير سوسيولوجي
تنتمي فاطمة الوكيلي إلى جيل من الصحفيين الذين طالما آمنوا بقوّة الكلمة في صناعة الرأي. فهذا الإيمان جعل ابنة مدينة مكناس تدرس مبكّراً الفلسفة وتتخصّص في السوسيولوجيا، ما جعلها تمتلك وعياً معرفياً مغايراً عن زميلاتها وزملائها في الصحافة خلال ذلك الإبان. فدراسة السوسيولوجيا جعلت تجربة الوكيلي مغايرة ومختلفة لطبيعة التجارب الإعلامية التي كانت سائدة آنذاك. وجعلها ذلك تساهم بقوّة في تسيير عدد من البرامج الحوارية ذات النبرة السياسية على القناة الثانية، إذ كانت تشغل هناك منصب مشرفة على قسم الأخبار. وكانت ،الوكيلي في ذلك الوقت من بين أشهر الوجوه الإعلامية، إذ كانت تحشر نفسها وتجهدها داخل غرفة أخبار تعجّ بالرجال تأكيدا للتميز.
لكنْ، ومع ذلك استطاعت صاحبة «عطش» أنْ تخلق مسارها الإعلامي بصفتها امرأة تجابه عمل الرجال، وتخلق عبر برامجها وأخبارها جدلاً سياسياً توجّهه السوسيولوجيا ويرسم ملامحه عمق الاشتغال الصحفي الأصيل. لم تكُن دراستها للعلوم الاجتماعية وليدة الصدفة، وإنما كانت اختاراً واعياً قبل دخول العمل الإعلامي.
واستفادت الراحلة من هذه الدراسة الأكاديمية المبكرة، وجعلتها تنظر إلى طبيعة الوقائع اليومية برؤيةٍ مختلفة، عالمة في تفكيرها وقويّة في اختياراتها وعميقة في تحليلاتها. هذا الهاجس بالرقيّ بالعمل الصحفي ونقله من السطحي، كان بمثابة هاجس كبير لجيل بأكمله.
شغف السينما
اشتهرت الراحلة فاطمة الوكيلي بعلاقاتها الكبيرة بالمثقفين والفنانين العرب. فتربتها الإعلامية وإنْ ارتبطت بالجانب السياسي من خلال عددٍ من البرامج الحوارية التي كانت تسيرها، فإنّ طبيعة علاقتها اليوميّة بالفنانين كان يُفسّر طبيعة اهتمام الراحلة بالسينما. بدأت الوكيلي مسارها الفني، حيث مثلت في عدد من الأفلام السينمائية والتلفزيونية مثل: «باب السما مفتوح» (1986)، و«الدار البيضاء يا الدار البيضاء» (2002) و «كيد النسا» (2005) لفريدة بنليزيد، و«شاطئ الأطفال الضائعين» (1991)، و «ذاكرة معتقلة (2003) للجيلالي فرحاتي، و«الصمت» لمصطفى الدرقاوي، إضافة إلى الفيلم القصير « هرتزيان كونيكسيون » لنبيل عيوش ».
لكنْ وفي فترة اشتغالها بالتمثيل، شعرت الوكيلي بأنّها قادرة على كتابة السيناريو. هكذا بدأت تعمل على كتابة أفلام سينمائية شهيرة لها وقعها داخل مسار السينما المغربية مثل «نساء ونساء»، و«عطش» و «الإسلام يا سلام» لسعد الشرايبي، و«عود الورد» للحسن زينون، « وفيها الملحة والسكر ومابغاتش تموت» لحكيم النوري و «الميمات الثلاث» وغيرها ».
لكنْ وهي تكتب سيناريوهات أفلامٍ سينمائية ناجحة، حاولت الوكيلي أنْ تنقل طريقتها في الإعلام إلى المجال السينمائي. فكانت كلّ أعمالها السينمائية تتميّز بقدرة هائلة على تفكيك المجتمع وتعريته من الداخل. لكنْ في مقابل ذلك، حرصت الراحلة على كتابة أحلامها وهواجسها وفق طريقة تخييلية تُعيد الاعتبار للأجيال السابقة.
لم تراهن الوكيلي على السينما التجارية لكونها سينما ترفيهية لا تستطيع أنْ تؤثر بقوة في المجتمع. وهذا الأمر يُفسّر مدى اشتباك الراحلة بسينما تحاول أنْ تخلق جدلاً في أوساطها، سينما تُعطي قيمة للذاكرة وتحاول عبرها بناء أفق بصري يرصد تحولات المجتمع من طوره التقليدي صوب جماليات الحداثة. كما عُرف عن الوكيلي مدى علاقتها بالقضية الفلسطينية، إذ حاورت الراحلة ياسر عرفات في مشاهد تلفزيونية لن تنسى أبداً. وهذه العلاقة المركّبة مع فلسطين وتاريخها، كانت تدخل من ضمن اهتماماتها الإعلامية والسينمائية.
آخر لقاءٍ لي مع فاطمة الوكيلي، كان خلال الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للفيلم في طنجة، حيث ارتأى المركز السينمائي المغربي أنْ يُكرّم مسارها من الناحية السينمائية ويرصد مختلف تحوّلات أفلامها وسيرتها في عالم هذا الفن الذي عشقته منذ طفولتها وعملت في فترة شبابها على تأصيله وجعله نمطاً فكرياً محبّباً بالنسبة لها.