تأتي قيمة هذا الكتاب في كونه من الدراسات القليلة التي تتعرض بالدرس والتحليل لمفهوم الوقف ودوره في تاريخ المغرب خلال العصر الوسيط، إذْ يدخل ضمن المجالات التي لم يفكّر فيها الباحثون والتي ظلّت أيضاً بمنأى عن التفكير من لدن المؤرخين، رغم وفرة الوثائق التاريخية والزخم الكبير الذي رافق الوقف خلال العصر الوسيط. غير أنّ هذا الازدهار ظلّ دائماً مرتبطاً بالوضع السياسي والاجتماعي للبلد.
يقول الباحث « تتعزز أهمية موضوع الوقف في تاريخ المغرب الأقصى في كونه يرتبط العصر الوسيط، بما يكتنفه من تعقيدات تهم صعوبة الفصل بين مستويات العلاقات المتصلة أو المنفصلة في إطار مجتمع ما، سواء العلاقات ذات الاتجاه العمودي أو ذات المنحى الأفقي، تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية في ارتباطها بالمنظومة السياسية، وقياساً على المستوى الفكري والثقافي الوثيق الصلة بالجانب الديني ».
لذلك « تبرز القيمة المضافة في السعي نحو رصد العلاقة بين الوقف بوصفه شعيرة دينية محضة في زمن الدراسة دون تجاهل لجذورها التاريخية والمجال السياسي، باعتباره ممارسة تقوم على تسيير أمور الناس وتدبيرها وتنظيمها، وغايتها تثبيت أسس الحكم وفرض القانون وسيادة الدولة. ومن دواعي الخوض في هذا الموضوع الإحاطة بالسياق التاريخي للوقف زمن المرابطين والموحدين، ثم ما رافق تأسيس الدولة المرينية القائم على أسس تختلف عن سابقتيها، فلم يكن الوقف إلى جانب مجالات دينية أخرى غاية عن سابقتيها، فلم يكن للوقف إلى جانب مجالات دينية أخرى غاية دينية محضة فقط، بل كان كذلك آلية ووسيلة شعبية ودينية إيديولوجية، لا سيما وأن الشرعية في العصر الوسيط بالنسبة لنظم الحكم تكون ناقصة أو مختلفة إن لم تستند في إحدى ركائزها على محددات دينية ».
