ثمّة جمعيات ثقافيّة قليلة بالمدينة، تعمل دائماً على خلق الحدث الثقافي، انطلاقاً من تخلقه من دينامية ثقافيّة. بيد أنّ هذه الدينامية لا يُمكن حصرها إلاّ في بعض العروض المسرحية الموسمية والتي يطغى عليها الترفيه والاستهلاك. فبدل أنْ تتحوّل هذه المسرحيات إلى أفق فنّي، ومختبر فكري يطرح أسئلة حقيقية حول ما تعيشه المدينة من هشاشة اجتماعية وبؤس سياسي، تغدو الفرجة المسرحية ملاذاً للترفيه والهزل. أما الأنشطة الثقافيّة الخاصّة بتوقيعات الكتب والندوات العلمية وغيرها، فنادراً ما يعثر المرء على ندوة ثقافيّة تحتفي بأبناء المنطقة وتعمل على الاعتراف، بما قدّمه العديد من الأدباء والفنانين والباحثين التي ينتمون إليها. أما العروض السينمائية، حتّى لو كانت داخل قاعة مركبّ ثقافي، فهي غائبة بالمرّة، رغم الإمكانات التي تحبل بها المنطقة في وجود العديد من الأسماء المُهتمّة بالشأن السينمائي وصناعته، كتابة وإخراجاً.
كانت مدينة الفقيه بن صالح، تحتضن أحد أهم النوادي السينمائية التي ساهمت على مدار سنوات، في خلق فئة شابة مُهتمّة بالسينما المغربية وأحوالها. أما اليوم، فلا تسمع ساكنة المدينة أي شيءٍ يتعلّق بالسينما وتجاربها الفنية. إذْ لا توجد جمعيات تعتني بالفن السابع من خلال ندوات فنية وعرض أشرطة سينمائية وتقديم قراءات ومناقشات في الأفلام المعروضة، بما يضمن للساكنة ثقافة سينمائية متنوّعة قادرة على فهم ما يدور في الواقع. إنّ السينما ضرورة مُلحّة مثل الخبز والماء والهواء، ذلك إنّ الفنون جميعها تأخذنا إلى عوالم متخيّلة نرى فيها مرآة أجسادنا وواقعها المُتشظي والمُنفلت من قبضة المنطق. يعشق الناس الأفلام والمسرحيات، لكنّهم لا يعثرون عليها داخل الفضاء الذي يعيشون فيه. فوجود مركّب ثقافي وسط المدينة، يبدو مجرّد طلل لا فائدة منه، إذْ لا يعمل هذا المركّب على خلق بنية فنية صحية يدعو من خلالها الناس إلى المشاركة والإبداع والابتكار.
إنّ التربية على الفن أمرٌ تُعاني منه المجتمعات المعطوبة والمتصدّعة، خاصّة وأنّ التحوّلات التي بات يعرفها العالم اليوم، تفرض الاهتمام بفضاءاتنا العمومية من خلال لوحات ومنحوتات وتنصيبات ومسرح الشارع وغيرها. وهي فنون تُساهم في تهذيب الذوق لدى المتلقّي وتحُثّه على العيش داخل الفن. إنّ الفضاءات العمومية بالفقيه بن صالح غدت أكثر ابتذالاً من السابق، ما يعني أنّنا أمام رؤية هشّة، لا تنظر إلى المدينة في علاقتها بمفاهيم الفن والجمالية. وأغلب هذه الجمعيات ليس لها تكوينٌ كبير في مجالات الفن، باستثناء تجارب قليلة معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، بما يُتيح لها إمكانية الانخراط في نقاش ثقافي حول ما ينبغي أنْ تكون عليه المدينة.