فقد عرف المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب أمس الخميس 25 ماي 2023 تنظيم 4 جلسات علمية تشرح التاريخ العلاقة بين المغرب وإسبانيا خلال فترات تاريخية متباعدة. بحيث ركزت الندوة الدولية على مستويات التقارب والاختلاف في التحليلات والتدوين التاريخي لدى مؤرخين مهنيين من البلدين، إلى جانب مساهمات نظرائهم من أوروبا وجهات من العالم. ومهما كانت مقاربتهم تاريخية بالطبع، إلا أنّها تبقى منفتحة على تخصصات عدة مثل الأنثروبولوجيا واللسانيات وعلوم التراث والعلوم السياسية وغيرها. فبقدر ما تتطلع هذه المقاربات لتكون شمولية، فإنّها ستحوي الزمن الحاضر وترسم آفاق المستقبل.
وحسب توطئة الندوة، فإنّه بحكم القرب الجغرافي، فإن كلا من المغرب وإسبانيا اللذان يطلان معا على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، واللذان لا يفصلهما سوى مضيق لا يتجاوز أربعة عشر كيلومترا فقط. كان من الطبيعي أن تجمع بينهما روابط متينة طيلة العصور السالفة. وكيفما كانت التقلبات التي شهدتها هذه الروابط على امتداد زمني طويل، مثلما يحصل بين سائر الدول والشعوب، فإن تاريخهما المشترك يشكل مع ذلك أحد المكونات الأساسية للقاعدة الصلبة والعريقة للعلاقات التي جمعت بينهما باستمرار. بما يدفع للقول بأن علاقات المغرب بهذا البلد ظلت تتسم بخصوصية تميزها عن باقي الدول الأوروبية الأخرى.
في الجلسة الأولى (قضايا إسطغرافية وراهنية البحث في الكتب المدرسية) التي سيرها الدكتور ميمون عزيزة من كلية مولاي إسماعيل بمكناس، وجّه الباحث كلمة شكر للأطراف الي عملت على إنجاح الندوة وإخراجها إلى التنظيم الفعلي الذي جمع مجموعة من الباحثين في العالم المتخصصين في العلاقات المغربية والإسبانية.
استهل الدكتور Eloy MARTIN CORRALES من إسبانيا هذه الجلسة بالحديث عن الوشائج الخفية التي تُنتسج بين المغرب وإسبانيا، بحيث أقرّ بوجود إنتاجات جديدة في السوق الإسباني حول المغرب متخصّصة في العلاقات بمختلف أشكالها السياسية والثقافية، مُعتبراً أنّ مجلس بحوث العلوم قدّموا لنا أجزاء من كتاب حول العلاقات المغربية والإسبانية، وبالتالي، فإنّ المجلس لعب في نظره دوراً كبيراً، إذْ أتاح إمكانية الانفتاح على العلاقات الاقتصادية، من خلال وجود بعض الدراسات التي حاولت أنْ تُسوّغ دخول إسبانيا إلى بلاد المغرب الأقصى، رغم أنه كمُؤرّخ يتحدث عن المغرب باحترام كبير، لأنّ المغرب حاضر بقوّة في ذاكرته. كما أشار المؤرّخ بأنّ هناك زملاء مغاربة لا تُترجم كتبهم إلى الإسبانية بسبب غياب مشروعات الترجمة المموّلة لكونها قليلة في الخارج بالنسبة لإسبانيا، لأنّ فعل الترجمة يحتاج إلى دعم قويّ لمواصلة حدود التأثير والتأثر سياسياً وثقافياً وتاريخياً وأدبياً ودبلوماسياً بين المغرب وإسبانيا.
أمّا الدكتور محمد المذكوري المعطاوي الأستاذ بجامعة أوتونوما بمدريد، فيرى بأنّه حين نُريد نهُمّ بالحديث عن المغرب وإسبانيا لا بد أن نضع العنصر الفرنسي في الحسبان، لكون النخبة المغربية ترى إسبانيا بعيون فرنسية. كما عمل الباحث عن على إبراز تاريخية هذه العلاقة بين البلدين، مُبرزاً أهمية العنصر الأدبي وكيف يُمكن أنْ يُساهم التخييل في رسم صورة إسبانيا في الأدب المغربي، مُعتبراً أنّه قد آن الأوان لإعطاء قيمة أكبر للأدب في تفسير الأحداث التاريخية، بحيث يرى أن النكتة تُعلّمنا كيف تُفكّر الشعوب، خاصّ وأنّ الأدب المغربي منذ الستينيات اشتغل بقوّة على هذا العنصر المتمثل في صورة إسبانيا داخل الكتابات الأدبيّة المغربية.
وقد أثار الباحث ملاحظة دقيقة في طون الكتاب الذين يكتبون عن المغرب بالإسبانية يوجدون خارج الجامعة، رغم وجود أشخاص يعيشون في فرنسا ويتحدثون بالإسبانية. كما أنّ هناك مغاربة كتبوا في الشعر والرواية والمسرح باللغة الإسبانية وقدّموا خدمات جليلة وأصيلة لهذه الثقافة ومُتخيّلها الرمزي، وبالتالي، ينبغي في نظرك استغلال الكنز الكبير الذي تحبل به بعض مكتبات إسبانيا، إذْ فيها الكثير من الوثائق والمخطوطات التي من المُمكن أنْ تُثير أسئلة قويّة، كما هو الحال للجنود المغاربة الذين شاروا في حرب فرانكو.
أما Irene GONZALEZ GONZALEZ فاعتبرت أنّ الكثير من الأبحاث التاريخية لماريا روسا قد أثرت على التاريخ المدرسي، مُشيرة إلى أن التاريخ كما هو الحال في المغرب يتمّ دمجه بالجغرافيا، وبالتالي، ترى أنّ تاريخ العلاقات بين المغرب وإسبانيا تدخل ضمن هذه المواد الموجهة للسنة الثانية من الباكالوريا، مستطردة في الحديث عن خصائص ومميزات التاريخ المدرسي في إسبانيا والنسب المحددة التي تُوفّرها مقررات الدراسة للتاريخ المغرب الذي له علاقة بإسبانيا.
أمّا إبراهيم شهيمي الباحث في سلك الدكتوراه بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء، فقد اعتبر بأنّ العمل التاريخي مبني على التفسير وبالتالي تُبرر الغاية من تدريس التاريخ الإسباني في المغرب، مُعتبراً أنّ سلك الثانوي التأهيلي تجاوز تدريس تاريخ إسبانيا بالأهداف. كما أنّ مختلف الموضوعات ذات صلة بالتحولات السياسية غرضها فهم كيفية بناء الدولة الوطنية تاريخها الداخلي والحركة الإنسية من الأقليات الإسبانية.
في حين تركزت الجلسة الثانية حلو الحركية والمبادلات والانتقالات الثقافية بين العصر القديم والوسيط، بعدما ترأستها مجيدة بركاش، وتدخّل فيها الدكتور محمد المحاسني من جامعة محمد الخامس بالرباط بمداخلة حول المغرب وشبه الجزيرة الإيبيرية في فضاء التبادل التجاري وحركية الأشخاص ونقل المعرفة خلال العصور القديمة. والدكتور لويس بوجول عن جامعة برشلونة وجوردي بيريز غونزاليس من جامعة جيرونا، بعدما قدما مداخلة حول الأمفورات الرومانسية من جنوب إسبانيا إلى المغرب في 25 عاماً من البحث في النقوش الأمفورية. ثم الدكتور رشيد الحر عن جامعة سالمانكا بمداخلة متمركزة حول نظرة للأندلس والمغرب من خلال الصلاح والولاية عبر بعض التخمينات حول التكوين العلمي والنظام الغذائي لكل من أبي يعزى واليحانسي. هذا إضافة إلى مارافياس أغيار أغيلار عن جامعة لا لاغونا جزر الكناري في موضوع الأدوات الفلكية العربية والملاحة الأطلنتية الجديدة.
في حين ترأست الجلستين الثالثة والرابعة كلا من الدكتور ليلى مزيان أستاذة التاريخ الحديث والمتخصصة في العلاقات الإسبانية المغربية وإيلوي مارتين كوراليس، الأولى في موضوع « الحركية والمبادلات والانتقالات الثقافية في الفترة الحديث والفترة المعاصرة والثاني في تحولات واستمرارية الدبلوماسية في علاقتها بالتفاوض. وقد ساهم في تقديم ورقات هذه الجلسات كل من فرناندو ميديانو رودريغيز من المعهد العالي للبحث العلمي بمدريد ومحمد عبد الواحد العسري من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان وعمر لمغيبشي عن جامعة الحسن الثاني وأغوستين غيميرا رافينا من مدريد ومراد زروق من جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء وميمون عزيزة من جامعة مولاي إسماعيل بمكناس.
في حين تركزت المداخلات حول اللغة العربية في إسبانيا الحديثة، ثم دور الدبلوماسيين اليهود في تمثين العلاقات بين المغرب وإسبانيا منذ القرن السادس عشر إلى التاسع عشر، ورهانات التعايش السلمي في منتحلات الموريسكيين. هذا بالإضافة إلى « مضيق جبل طارق: حدود بحرية وفضاء للصراع والتبادل في القرن الثامن عشر » و »مشاهد منسية من المفاوضات الإسبانية المغربية » وأخيراً « الحماية الإسبانية بالمغرب وحصيلتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بين 1912 و1956).