يأتي هذا اللقاء الفكري ضمن عرف أكاديمي دأبت عليه المؤسسات منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي. بحيث تسعى مثل هذه اللقاءات الفكريّة إلى تكريس نوع من التقاليد الأكاديمية داخل مجال العلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية. ذلك إنّها تلعب دوراً كبيراً في تأطير الباحثين والأساتذة والطلبة وتدفعهم إلى البحث في قضايا وإشكالات غير مفكّر فيها. وعلى مدار سنوات، ساهمت هذه الدروس في فتح منافذ ضوءٍ بالنسبة للباحثين، خاصّة حين يتعلّق الأمر ببعض الأسماء الفكريّة اللامعة والتي تصبح محاضراتها شهيرة وتصدر في كتيبات أو مجلات دورية أو أعمال جماعية خاصّة بهذه الدروس الافتتاحية. ويعتبر عبد الرحيم بنحادة واحداً من هذه الوجوه الفكرية اللامعة التي ساهمت إلى حدّ كبير في إنضاج البحث التاريخي وفتحه على مسارات جديدة. ذلك إنّ كتاباته تتمتّه بأصالةٍ معرفية على مستوى النّظر إلى الموضوعات والعمل على مقاربتها وفق آلية علمية تستلهم مناهج متعدّدة لرصد بعض القضايا.
تأتي قيمة هذه المحاضرة العلمية في كونها تتيح للباحثين معرفة التطوّر الذي عرفته الكتابة التاريخية في السنوات الأخيرة، كما أنّها تسعى إلى رصد بعض التجارب العلمية التي اشتهرت في كونها فتحت البحث التاريخية مناخات كانت مفقودة داخل مجال البحث التاريخي. هذا بالإضافة إلى مقارنتها مع طبيعة الكتابة التاريخيّة في تركيا وحدود التقاطع والتلاقي بين هذه الكتابات وقيمتها ونوعيتها ودورها في كتابة تاريخٍ عام. ولعل اختيار موضوع من هذا القبيل نابعٌ من زخم تكوين عبد الرحيم بنحادة وقُدرته على البحث والحفر في مثل هذه القضايا الصعبة والمركّبة المتّصلة بالتاريخ ودورها الفعّال في بناء أفق نظري للبحث التاريخي