شخصياً، لم أطلب شيئاً من الحياة، ولم أتمنى لنفسي سوى الصمت داخل جيلٍ بدا اليوم ينزع عنه عباءة المواقف والتضحيات والنضالات ويُقدّم نفسه إلى يوميات متمرّدة حمقاء. العالم يتغّير اليوم شيئاً فشيئاً، والناس ما تزال تلهث وراء ماضٍ تعتقد أنّه خلاصنا الأبدي للدخول صوب الحداثة. تضخّم الديني في حياة الفرد، يجعله أسيراً للماضي وعوالمه. نتعامل مع الماضي السحيق وكأنّه حقيقة، فنعمل على استعادته بكل تفاصيله ومباهجه ونتوءاته، لكنْ بعد الدخول إلى سراديب تاريخٍ مُظلم نطرح السؤال عن أسباب فشلنا فيما يتقدّم الغرب علينا بسنواتٍ ضوئية.
لا ينبغي أنْ نتمنّى شيئاً في 2024. لأنّ الحياة ستظلّ على حالها، ذلك إنّ الشعوب المنكوبة لا رغبة لها في التغيير، بل هي شعوب ميّتة تعيش في سهاد تاريخي طويل، أدمنته لدرجةٍ أصبح بالنسبة لها، بمثابة جنّة أو حلم مُشتهى. لهذا فعوض أنْ نتمّنى لبعضنا البعض حياة مديدة يغمرنا الحنان في ليل التاريخ، ينبغي التفكير في أنفسنا وفيما قدمناه للوطن الذي ننتمي إليه. ينبغي محاربة الجهل بين المتعلمين وتشجيع البحث العلمي داخل الجامعات وإعطاء فرص للجيل الجديد من الشباب، وتثمين مخططات دبلوماسية حقّقها المغرب واستطاع من خلالها أنْ يغدو قوّة سياسية صاعدة. ينبغي تغيير علاقتنا بوسائل التواصل الاجتماعي، فبدل أنْ تكون هذه الوسائط مجرّد وسائل لتحقيق منافع في التواصل والتعلّم والتعارف ومشاركة الرأي المُختلف، تدفع البشر يومياً أنْ يغدو عبداً مُسيّجاً بأغلالها الصدئة وسلاسلها المُميتة.
علاقتنا بوسائل التواصل الاجتماعي ليست بخير، لأنّ مُعظمنا يُفكّر في نفسه وفي عائلته وينسى مصلحة الوطن. نسي المغاربة تراثهم وتاريخهم وذاكرتهم، وأصبحوا أشبه بالنسخ المُتكرّرة من شعوب أخرى داخل الحوض البحر الأبيض المُتوسّط. استبدل المغاربة مواقفهم وأصالتهم ونضالاتهم بانبطاح أعمى أمام واقعٍ متآكل. الرغبة في الخروج من شرنقة هذا الواقع، لم يعُد مُمكناً في نظرهم، بحيث أصبح بعضهم جزءً من هذا الواقع، بينما تدفع وتيرته المُتصاعدة إلى تهجير عدد منهم صوب الخارج.
يُروّج « الفايسبوكيون » للتفاهة ويجعلونها تطفح إلى السطح على أساس أنّها حقيقة. بين الضحك والهزل والمغامرة والترفيه، يُحاول الفايسبوكيون فرض هذا النمط من الثقافة الترفيهية التي تُغرق يوميات الناس، في حين، يتم تهميش محتويات ثقافية هادفة. خلال سنة 2023 يُسجّل المرء كيف غدا « الفايسبوكيون » يُؤثّرون في راهن الثقافة والفن ويُحوّلانهما إلى أداة للترفيه والاستهلاك. الأكثر من هذا، غدا الفايسبوكيون يُشبهون في خرجاتهم أصحاب المواعظ الأخلاقية، عبر ما يُقدّمونه من النصائح حول الزواج والطلاق والطبخ والغلاء والجنس والأحزاب، بطريقة يتجاوزون فيها المتخصّصون الحقيقيون في مجالات تتعلّق بالسياسة والفن والاجتماع والاقتصاد. وبما أنّ المُتلقّي ليست له الوسائل والأدوات من أجل تحصين نفسه من هذه الوجوه، فهو يجد نفسه ضائعاً بين أشباح السوشل ميديا. كما أنّ للفيسبوكي طريقته في الإقناع واختيار المواضيع، فهو يتحرّر في خطابه من كلّ الأنساق المعرفة (لأنّه يجهلها) ويُحاول التقرّب من المُشاهد، عبر مواضيع في غالبها جنسية ذات علاقة بالرجل والمرأة. إذْ يستغرب المرء كيف لشخص لا يتوفّر على أدنى المعارف العلمية ومبادئ التفكير في تعيين نفسه رقيباً ومُحاضراً في العلاقات الزوجية وشؤونها؟