حظيت السينما المغربية خلال هذا العام بتتويجات عالمية، جعلتها سينما مرغوبٌ فيها من لدن أكبر المهرجانات العالمية. ذلك إنّ ما حقّقه المَغاربة في مهرجان « كان » ساهم إلى حدّ كبير في رسم صورة مختلفة للسينما في بُعدها الكوني. من الناحية الجيوسياسية، رسمت السينما أفقاً مُتفرّداً للمغرب، وساهم بشكل كبير في تثمين الصورة التي رسمها المونديال في وجدان العالم. لحظاتٌ مُتفرّدة لن تنسى، عاشها المغاربة مع السينما، وهي تُمثّل البلد في أكثر من تظاهرة سينمائية عالمية.
حين نًفكّر في السينما عادة ما نفهمها على أساس أنّها وسيط بصريّ ترفيهي، في حين أنّ وظيفتها أكبر من الناحيتين السياسيّة والدبلوماسية. كما عرفت هذه السنة على مستوى الوطني تنظيم مجموعة من المهرجانات السينمائية المُختلفة عن سنواتٍ أخرى خلت. هذا الأمر، يُؤكّد وعي الجهة المسؤول عن القطاع الفني بأهمي هذا الفنّ ودوره في تنمية البلد وناسه.
يصعب على المرء، اختيار أفضل الأفلام خلال سنة 2023 والمرجعيات الفكرية والفنية والجمالية التي ساهمت في عملية الاختيار. لذلك، فإنّ هذه مُحدّدات الاختيار لا ترتكز على الجوائز التي حصلت عليها الأفلام وطنياً وعالمياً. وإنّما حدود تأثير هذه الفيلموغرافيا من الناحية الجماليّة في مسار السينما بالمغرب. ذلك إنّ المُشاهد يُسجّل مدى تقدّم بعض الأفلام المغربية وحرصها على اجتراح صورة سينمائية مغايرة. صور تختلف من حيث المرجع والدلالة، غير أنّها بشكل عام عبارة عن صورة متجذّرة في الواقع، بكل ما يعرفه من تحوّلات سياسية واجتماعية وثقافيّة.
« كذب أبيض »
يُعتبر فيلم « كذب أبيض » أهم الأفلام السينمائية التي حقّقت انتشاراً جماهيراً واسعاً، بعد فوزة في مهرجان « كان » في دورته الأخيرة، ثم بالنجمة الذهبية بمهرجان مراكش السينمائي. وهو الفيلم المغربي الوحيد الذي فاز بهذه الجائزة في تاريخ المهرجان. ومنذ عرضه في « كان » جذب الفيلم عدد من المشاهدين واستطاع بصوره التأثير في المُشاهد وانتزاع أكبرى الجوائز السينمائية في العالم. حرصت المدير في هذا الفيلم أنْ ترسم صورة مختلفة ومُذهلة لسينما مغربية واعدة، تُحاول عبرها الأجيال الجديد انتزاع الصورة التقليدية للسينما المغربية وفتحها عل تخوم لا مُفكّر في فيها بين الذات والذاكرة والتاريخ والواقع.
يحكي فيلم « كذب أبيض » قصّة شابّة « تعود إلى منزل والديها في الدار البيضاء لمساعدتهما على الانتقال إلى منزل آخر. في منزل عائلتها، بدأت في فرز كل أغراض طفولتها. في لحظة معينة ترى صورة: أطفال يبتسمون في ساحة روضة الأطفال. على حافة الإطار، هناك فتاة صغيرة تجلس على مقعد وتنظر إلى الكاميرا بخجل. إنها الصورة الوحيدة لطفولتها، الذكرى الوحيدة التي يمكن أن تعطيها والدتها لها. لكن أسماء مقتنعة بأنها ليست الطفلة الموجودة في هذه الصورة. على أمل أن تجعل والديها يتحدثان، تستخدم أسماء كاميرتها وتتلاعب بهذه الحادثة الحميمية للحديث عن ذكريات أخرى تشك فيها أيضا. تصبح هذه الصورة نقطة الانطلاق في تحقيق تسأل خلاله المخرجة عن كل الأكاذيب الصغيرة التي ترويها عائلتها. شيئا فشيئا، تستكشف أسماء ذكريات حيها وبلدها ».
« الثلث الخالي »
بنفس الانتماء البصري المُجدّد، حاول المخرج فوزي في فيلمه « الثلث الخالي » رسم ملامح سينما مختلفة. سينما تقترب من الشعر في مُلامسة جوهر الأشياء الواقعية وتحويلها إلى عرش الصورة السينمائية. يقبض بنسعيدي في هذا الفيلم على روج الجنوب المغربي، وذلك على شكل حكاية يُمتزج فيها الواقع بالخيال. إنّ الصورة في سينما بنسعيدي، تُعتبر مركز الفيلم السينمائي، لكونها صورة أشبه بمُختبرٍ بصريّ مفتوح على تحوّلات الواقع. ويتّخذ التجريب في سينما بسعيدي، بُعداً أنطولوجياً، ذلك إنّ سينما تبدو مختلفة ومغايرة لكلّ من يُشاهدها لأوّل مرّة.
ويحكي الفيلم الجديد قصة الصديقين مهدي وحميد، اللذان يعملان لدى وكالة لتحصيل الأموال، ويجولان الجنوب المغربي في سيارتهما القديمة ويتقاسمان الغرف المزدوجة في الفنادق البائسة.
« ملكات »
يعتبر فيلم « ملكات » للمخرجة ياسمين بنكيران، أحد أبرز الأفلام السينمائية خلال هذه السنة. فمنذ عرضه بمهرجان البندقية، رافقته سلسلة من العروض السينمائية في العالم. يتميّز « ملكات » بقُدرة هائلة على نحت سينما تقترب من المطاردات. سينما تُحاول عبر هذا النوعي الفيلمي تخييل الحكاية واللعب بجمالياتها على الصورة. عبر هذا الفيلم الروائي الأوّل، قدّمت ياسمين بنكيران بروفايل مختلف لسينما تطرق باب التجديد من المدخل البصري. بل إنّ الأداء المُبهر للممثلة نسرين الراضي، أعطى للفيلم قوّة هائلة في التأثير، ما جعله أكثر الأفلام مشاهدة داخل مهرجانات سينمائية عالمية.
ويحكي الفيلم قصّة هروب أم وابنتها من الشرطة على طول الجنوب المغربي، وهي رحلة بصريّة نتعرّف فيها على معاناة المرأة داخل مجتمع ذكوري يعمل يوماً بعد يوم على تكريس ثقافته التقليدية تجاه المرأة، أمام رغبتها في التحرّر.
« شظايا السماء »
ينتمي الفيلم الوثائقي « شظايا السماء » لمُخرجه عدنان بركة إلى نوعية الأفلام الوثائقية النادرة التي تجود بها علينا السينما المغربية. الفيلم حاز على أكثر من جائزة عالمية، وإلى حدود اليوم ما يزال يُعرض في عددٍ من الدول. ويستند الفيلم على عناصر جمالية أكثر ارتباطاً بالصورة في علاقتها بشعرية الفضاء. وحرص عدنان بركة في هذا الفيلم على اللعب بالصوت والتأثير من خلال جماليات حكايةٍ تروم إلى القبض عن يوميّات الرحّل وهو يُنقّبون عن النياز في عمق الصحراء.