لا يتوفّر المغرب على سينما تهتم بالذاكرة والتاريخ، وتعمل انطلاقاً من هذا الماضي الجريح على نسج صور سينمائية مؤثّرة بخطابها وجمالياتها. فالتاريخ له قُدرة على تزويدنا بعشرات الموضوعات وإعادة الاشتغال عليها سينمائياً. والسبب في غياب هذا النوع من السينما داخل المغرب، أنّه لا يتوفّر على صناعة سينمائية قوية كما هو الحال في مصر والهند وأمريكا. كما أنّ الأفلام التاريخيّة الحاصلة على دعم مادي كبير، لا يرق إلى ما يُمكن اعتباره سينما تاريخيّة. ولم يستثمر « المركز السينمائي المغربي » في هذا الصدد من أجل دفع المخرجين السينمائيين إلى التفكير في التاريخ المغربي وإعادة الاشتغال عليه سينمائياً من وجهة نظرٍ مختلفة.
ذلك إنّ مثل هذه المشاريع الفنية تُعطي صورة مغايرة للمغرب وترسم لها أبعاداً كبيرة عل المستوى السياسي. فالأفلام الموجودة مثل « من رمل ونار » لسهيل بنبركة و« بامو » لإدريس المريني و« أنوال » لمحمّد بوزاكو و« لامورا » لمحمّد إسماعيل. هذا إلى جانب مجموعة من الأعمال التلفزيونية الأخرى مثل « رمانة وبرطال » و »خلخال الباتول » لجمال بلمجدوب و »جنان الكرمة » للمخرجة فريدة بورقية ». وهي عبارة عن أعمال سينمائية وتلفزيونية تطرّقت إلى الوضعية التي كان يعيشها المغرب خلال الفترة الاستعمارية.
حظيت الأفلام التلفزيونية المذكورة على شرعية كبيرة من لدن المُشاهد. وهذا راجع إلى الدور الكبير الذي يلعبه التلفزيون في التعريف بالتاريخ. ذلك إنّ شعبية وسهولة انتشارها داخل البيوت، دفعت المغاربة يتفاعلون مع هذه المسلسلات التي تحتلّ أهمية كبيرة في وجدان المغاربة. في حين أنّ الأفلام السينمائي التي اشتغلت على مواضيع ذات علاقة بالمقاومة المسلحة والحركة الوطنية والاستعمار والاستقلال، ظلّت سجينة القاعات السينمائية. ويعتبرها النقاد بأنّها أفلام ضعيفة وغير قادرة على التأثير في راهن السينما المغربية. بل إنّ العديد منهم يذهب إلى حد القول بأنّ الدعم الكبير المقدّم لبعض الأفلام يبدو غير مُبرّر من الناحية الفنية والجماليّة. نحن إذن أمام واقع سينمائي مُعطّل، لا يستفيد من التاريخ المغربي ليعمل على بناء أفق سينمائي جديد للسينما المغربية. بل تقود الموضة الفنية العديد من المخرجين إلى مطاردة التحوّلات الاجتماعية التي تطال البلد، وفق معالجات فنية هشّة تُطالعنا سنوياً خلال شهر رمضان.
إنّ السينمائي حين يكتب التاريخ، فهو يتعامل معه على أساس أنه عمل فني تخييلي وليس العمس. فمنذ بداية تصوير فيلم « أنوال » حول الزعيم عبد الكريم الخطابي تضاربت الآراء والأفكار والمواقف حول هذا الفيلم ومن الأجدر أنْ يكون فيه ممثلين. كما طرح مجموعة من الباحثين في التاريخ جملة أسئلة علمية تتعلّق بسؤال الحقيقة التاريخية داخل هذا الفيلم السينمائي. وكأنّ المخرج مطالبٌ بكتابة التاريخ عبر السينما. والحال أنّ المخرج عبارة عن مبدع يُحاول في فيلمه الاستناد عل التاريخ كأرضية معرفية تُتيح إمكانية التفكير في بعض قضاياه وإشكالاته في قالب سينمائي مختلف. أيّ أنّ العمل السينمائي مهما استندت مادته على التاريخ، فإنّه يبق عملاً إبداعياً محضاً. في حين أنّ المؤرّخ تكمُن مُهمّته في كتابة التاريخ انطلاقاً من مجموعة من الوثائق.
تُظهر مُجمل هذه الأعمال الفنية بكيفيات مختلفة كيف يغدو العمل وسيلة لنقد الاستعمار وتفكيك مخطّطاته ومواقفه تجام المغرب. بهذا المعنى تُصبح السينما وسيلة للتحرّر من ربقة الماضي وطريقة ناجعة في نقد الاستعمار. وإنْ كانت طريقة تعامل هذه الأفلام معها كـ « شهادة » تُعيد تذكير الناس بقوى الاحتلال وما رافقه عملياته الاستعمارية من بؤس وقتل وانتهاك وتنكيل.