أشرف الحساني يكتب: ميلاد الحداثة

أشرف الحساني

في 18/08/2025 على الساعة 19:30

مقال رأيتاريخياً، تُعدّ السبعينيات بمثابة المرحلة التاريخيّة التي استطاع فيها المثقف المغربي إبراز هواجسه الفكريّة ومحاولة الخروج من سطوة الاستعمار وبوثقة التقليد الذي كانت بعض التيارات الرجعية تعمل جاهدة على محاولة إبقاء الثقافة تتّسم بميسم تقليد ظلّ يجد ملامحه ضمن التكتلات السياسيّة التي كانت تتبنى هذا النمط من الفكر التقليدي.

حين يعود القارئ إلى السبعينيات، يجد نفسه أمام فكر متقدّم من ناحية طرق التفكير وحرارة السؤال الثقافي، سواء تعلّق الأمر بالأدب أو الفكر أو الفنّ وذلك لأنّ المبدع كان مشغولاً بسؤال الحداثة وبضرورة إخراج الثقافة من وضعها التقليدي خلال الستينيات، صوب مرحلة أضحت فيها الثقافة عبارة عن دعامة داخل المجتمع. في هذا السياق التاريخي المتأرجح بين الحداثة والتقليد، ظهرت العديد من الوجوه الفكرية التي استطاعت أنْ تخلق بمؤلفاتها جدلاً فكرياً، كان له وقعا كبيراً على الساحة الثقافة مثل محمد عابد الجابري وعبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي وغيرهم.

حرصت هذه الوجوه على الإعلاء من قيمة ثقافة الحداثة وجعلها بمثابة مشروع إصلاحي لفكرٍ مغربي، ظلّ تقليديا منذ مطالع القرن العشرين. فحين نقرأ مؤلفاتهم يشعر المرء بقيمة الجهد الذي بذلوه في محاولة استيعاب الفكر الغربي على اختلاف مشاربه والتفكير في استشكال المشاكل والقضايا والإشكالات التي كانت تُعيق نهضة المغرب وتقدّمه.

ينبغي الاعتراف اليوم، في زمن البؤس الفكري الذي نعيشه أنّ كلّ شيء انتهى. إذْ لم يعُد الفكر المغربي قادراً على طرح الأسئلة واستنبات المفاهيم واستشكال القضايا، بسبب ما بات يطبعه من هشاشة واجترار. إنّ ما يصدر اليوم من مؤلفات « فكرية » يستحيل مقاربتها بطبيعة كتب من قبيل « نحن والتراث » و« الإيديولوجية العربية المعاصرة » و« النقد المزدوج » وذلك لأنها عبارة عن كُتب تهجس بتفكير حقيقي يضع مشروع الإصلاح في قلب الحداثة والتحديث.

فهذه الكتب وغيرها، كانت بمثابة المختبر العلمي الذي بلور العديد من الأسئلة الفكرية القلقة حول الطريقة التي ينبغي بها تأسيس مشروع حداثي يُخرج المجتمع من براثن الجهل والانحطاط الذي كان منغمساً فيه. بيد أنّ الأقلام الفكرية الأخرى، لم تجعل من هذه المؤلفات عقيدة فكريّة تتّبعها وتحرص على محاكاة نمط تفكيرها ومنطلقاتها العلمية، بل إنّها حاولت انطلاقاً من زوايا نظرٍ مختلفة تقديم سرديات فكريّة مختلفة، تجد ملامحها في معارف أخرى تتصل بالتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا.

إنّ الجدل الثقافي الذي عرفه المجال الفكري، كان بمثابة شرارة سرعان ما ألمّت بمجالات أخرى ذات صلة بالأدب والفنّ، حيث برزت العديد من التجارب الفنّية التي استطاعت أنْ تُكسّر عصا الطاقة وتفتح لها أفقاً فنياً مغايراً. ما يعني أنّ الجدل الفكري الذي كانت تهجس به المشاريع الفكريّة، لم يكُن نشازاً أو يعيش على هامش الثقافة، بقدر ما ظلّ موجّهاً للممارسات الإبداعية ذات الصلة بالتشكيل والسينما والأدب.

لهذا فإنّ كل فكر ينأى بنفسه عن التفكير في الإبداع الوطني لا يُمكن أنْ يُعوّل عليه وذلك بحكم قيمة الأدب ودوره البارز في القبض عن لحظات جد هامة من سيرة الكائن البشري. كما أنّ هناك نصوص أدبيّة مغربية لمحمد شكري ومحمد زفزاف وإدريس الخوري وأبو يوسف طه، قد تحوّلت إلى ذاكرة ثثافيّة مغربيّة، بحكم ما تضمنته من مشروع تخييلي مبتكر، لكونها أصبحت جزء لا يتجزأ من الاجتماع المغربي.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 18/08/2025 على الساعة 19:30