في الوقت الذي يعيب فيه النقاد على الشعراء هجرتهم إلى الرواية وكيف جعلوها حرفتهم، تعتبر عائشة البصري أنّ الذائقة الشعورية هي التي تفرض على الكاتب الجنس الأدبي الذي ينبغي الاشتغال عليه. فالكتابة هي ما يُحدّد شرعية النصّ وما إذا كانت الكتابة ستتّخذ مسار قصّة أو قصيدة أو رواية. بهذا المعنى يُصبح الجسد المعطى الأوّل لبناء براديغم الكتابة في علاقتها بالأشياء والكلمات والواقع والذاكرة. ورغم أنّ البصري تعترف أنّ قدومها إلى الرواية كانت صدفة، إلاّ أنّ القارئ لعدد من أعمالها الروائية يكتشف الإمكانات الجماليّة التي تحبل بها سيرة البصري بهذا النمط السردي الذي يتطلّب ثقافة واسعة وسياحة كبيرة في تاريخ الفكر البشري، كما تُطالعنا بذلك عناوين نصوصها الروائية. وذلك لكون صاحبة « ليالي الحرير » تكتب وفق وعي ثقافي عالم وعارف بالسياقات والنظريات والمفاهيم، بحيث تنساب بشكل سلس داخل خطاب روائي مُركّب.
في روايتها الجديدة « رجل اسمه الرغبة » تترك البصري مجال الشعر ورهبته وتطرق هذه المرّة اعترافات دون جوان، بما تطرحه من أسئلة فكرية ذات صلة بالنفس البشرية في علاقتها بالرغبة ومدى تأثيرها على معطيات الواقع. يبرز موضوع الرغبة موضوعاً أثيراً داخل الأدب المعاصر، إذْ نعثر على عشرات الروايات التي قامت بتشريح هذا المفهوم بكل ما يحمله من دلالات نفسية.
تقول البصري في الرواية على لسان شخصية دون جوان « أنا خوان رودريغو أمية، سليل دونجوانات الأدب الإنساني، ذئب بريء. أحاول أن أبني مجدًا بآهات النساء، أبدية صغيرة لذكراي. إن قصدت النساء محاكمتي فأنا بريء من دمهن، لم أقتل امرأة بالهجر والإهمال، أنا فقط رجل مصاب بفقدان الذاكرة. أقتل نسائي بالنسيان ». إن جل الكتاب الذين اعتمدوا التحليل النفسي، في بناء شخصيتي أدبيًّا، اعتمادًا على طبيب النفس العظيم سيغموند فرويد، حين أجلسوني على أريكة التحليل، لم يجدوا في النهاية، سوى ذواتهم المكبوتة، وشخصياتهم المخفية خلف قوانين اجتماعية ودينية صارمة. لكل هذه الأسباب ارتأيت أن أقدم نفسي…لا أريد تأويلات مغرضة ومشفقة تراني كرجل ضحية لشبقه. وأن يقال إن الدونجوانية مصابة برجولة في موضع الشك ».
جدير بالذكر أن عائشة البصري شاعرة وروائية وقاصّة. ترجمت أعمالها للعديد من اللغات الأجنبية. حازت على جائزة كاتب ياسين للرواية عام 2016. ثم على جائزة سيمون لاندراي للشعر في باريس عام 2017، ثم على جائزة معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2018.