وتأتي السلسلة على شكل كتابات مونوغرافية تبحث في مسار الشخصيات السينمائية، وتقوم بمتابعة أحوالها ومتخيّلها. ففي الوقت الذي لا نعثر فيه داخل النقد السينمائي المغربي على هذا الشكل المونوغرافي، يُطالعنا سيجلماسي بهذا النمط من الكتابة التي يُمتزج فيها التحليل بالتوثيق. إنها كتابة مراوغة لا تستكين عن أي خطاب نقدي محدّد، بل تتلوّن وتتنزّل داخل أشكال عدّة من الكتابة، بين الصحفي والنقدي والتاريخي والتحليلي، بغية القبض عن ملامح التجارب السينمائية والنظر إليها في عموميتها وفق المسار التاريخي الذي طبعها.
ويقول سيجلماسي في تقديمه للكتاب، الذي حصل Le360 على نسخة منه، إنّه «بعد توقف دام ثلاث سنوات، بسبب تداعيات جائحة كورونا، تعود سلسلة « وجوه من المغرب السينمائي » للصدور من خلال هذا الجزء الرابع الذي خصصناه للتعريف بحياة وأعمال مجموعة من السينمائيين تركوا بصمتهم الخاصة، كل من موقعه، على صفحات تاريخنا السينمائي. أول هؤلاء هو المبدع أحمد بوعناني (1938- 2011) المتعدد الاهتمامات، الذي صدرت هذه السنة ترجمة بالعربية لكتابه القيم «الباب السابع»، بعد أن استمتعنا بنسخته الأصلية بالفرنسية سنة 2020، التي اقترح علينا من خلالها قراءته الذاتية لتاريخنا السينمائي من 1907 إلى 1986».
ويُضيف: «بعد بوعناني سلطنا بعض الأضواء على أحمد الصعري (1940- 2019)، الذي أطلق اسمه على الدورة الثامنة لمهرجان سيدي عثمان للسينما المغربية سنة 2022 وتم تكريم روحه الطاهرة بحضور أفراد من عائلته المحترمة. يزة جينيني (81 سنة) هي الوجه الثالث من وجوه هذا الجزء الجديد من سلسلتنا التوثيقية، اخترناها بمناسبة عرض فيلمها الجديد « سوق الخميس د الكارة » في جولة سينمائية بمجموعة من المدن المغربية. ورابع هذه الوجوه هو سهيل بنبركة، صاحب الإنتاجات السينمائية الضخمة والمدير الذي قضى أطول مدة على رأس مؤسسة المركز السينمائي المغربي وأول من أحدث مركبات سينمائية متعددة الشاشات بالمغرب».
وبعد هذا السفر المعرفي التنقيبي «تأتي الممثلة القديرة عائشة ماهماه (80 سنة) التي لا يجادل أحد في قيمتها الفنية في مجال التشخيص وقدرتها الفائقة على تقمص مختلف الأدوار المركبة وغير المركبة بتلقائية وإقناع ملحوظين. وتليها مليكة العماري (79 سنة)، الممثلة الهادئة والمتمكنة من أدواتها، التي تجر وراءها تاريخا فنيا طويلا وعريضا في السينما والتلفزيون والمسرح تجاوز ستة عقود من العطاءات المتنوعة على الركح وأمام الكاميرات».
أما سابع هذه الوجوه «فهو الممثل الكبير محمد رزين (77 سنة)، الذي شرفتني إدارة المهرجان الوطني للفيلم بطنجة في نسخته 21 بإلقاء شهادة في حقه بمناسبة تكريمه ليلة 7 مارس 2020 في حفل الاختتام. و ثامنها فهو المخرج نور الدين كونجار (1942- 2023) مبدع الأفلام الوثائقية الجميلة، الذي اشتغل بصمت ومات في صمت، مخلفا وراءه تحفة سينمائية ما أحوجنا جميعا إلى إعادة اكتشافها: فيلمه القصير « تراكم » (1984في حين يبق الوجه التاسع هو نور الدين الصايل (1947- 2020)، الذي أعتبره بمثابة الأب الروحي لحركة الأندية السينمائية بالمغرب، فعطاءاته المتنوعة في مجالات الثقافة والإعلام والسينما وغيرها لا ينكرها أحد. أما إسماعيل أبو القناطر، هو الوجه العاشر في هذا الجزء الرابع، اخترناه نظرا لكونه ممثل من طراز خاص. فبغض النظر عن قيمة الأفلام المغربية التي شارك فيها، كانت لحضوره فيها بصمة واضحة لا يمكن تجاهلها. لم يكن بالإمكان غض الطرف عن الفريدتان بورقية (75 سنة) وبن اليازيد (75 سنة)، لأنهما المخرجتان اللتان كان لهما السبق تاريخيا في إنجاز أفلام سينمائية روائية طويلة».
ويرى المؤلف أنّه «إذا كانت فريدة بن اليازيد قد جمعت بين الإخراج السينمائي وكتابة سيناريوهات أفلامها وأفلام غيرها، فإن فريدة بورقية تألقت أكثر في الدراما التلفزيونية (أفلام ومسلسلات) ولم تسعفها ظروف اشتغالهما كموظفة بالتلفزة المغربية في أنجاز أفلام سينمائية كثيرة. الممثل الكوميدي محمد بن براهيم (1949- 2013)، هو الوجه 13 في هذا الجزء الرابع من سلسلتنا، رغبنا في تسليط بعض الأضواء على مسيرته الفنية لإخراجه من دائرة النسيان رغم أن مكونات فيلموغرافيته السينمائية ليست غزيرة. ختمنا مواد هذا الجزء الجديد بالوقوف عند تجربة ثنائي فني نجح بامتياز على الركح وأمام كاميرات السينما والتلفزيون، يتعلق الأمر بالفنانين الراحلين سعد الله عزيز (1950- 2020) وخديجة أسد (1952- 2023) اللذان شكلا وجهان متكاملان لتجربة فنية فريدة من نوعها».