ويأتي هذا الاحتفاء الأدبي، على خلفية ما يُمثّله عباس الجيراري داخل الأدب المغربي الحديث. ذلك إنّ يُعتبر أحد أبرز نقاد، ممّن تميّزت نصوصهم بإبدالات هامّة. إذْ حرص الجيراري على تحديث المجال النقدي وإخراجه من طابعه الكلاسيكي. هكذا بدأت تُطالعنا نصوص صاحب « حديث الخميس » باعتبارها ممارسة نقدية تُحاول تهديم مفو المركز الذي تنبني عليه الثقافة المغربية، صوب آفاقٍ أخرى تهتمّ بالهامش. وفي هذا الأخير، يعثر القارئ على دراسات مُتنوّعة تهتمّ بالأدب الشعبي. وكتب الجيراري في هذا الصدد مجموعة من المؤلفات التي تحتفي بالأدب الشعبي وترصد ملامحه الفنية والجماليّة. وكان هذا الاهتمام المُبكّر بعد عودته من مصر بمثابة اكتشاف مذهل داخل ثقافة مغربية تلهث وراء التكرار.
في الكلمة التي خصّها محمّد القادري لكتالوغ المعرض البيبليوغرافي، يرى بأنّ عباس الجيراري « ينتمي إلى جيل من المثقفين المغاربة المخضرمين ممّن عاصروا الحماية والاستقلال. تشكّلت نشأته الأولى بمدينة الرباط في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، في بيت علم ووطنية. إذْ تلقّى تعليمه الأولي على ي والده الفقيه والمؤرّخ عبد الله الجيراري، أحد أعلام الحركة الثقافيّة المغربية، فحفظ القرآن الكريم وتلقّي عنه مبادئ العلوم العربيّة والدينية، ثم ولج مسالك التعليم النظامي، إلاّ أنّه قرّر سنة 1956 استكمال تعليمه الثانوي بمصر، حيث حصل على شهادة الباكالوريا، ثم التحق بجامعة القاهرة فنال الإجازة في العربية وآدابها، ثم الماجستير، ثم دكتوراه الدولة ».
ويرى محمد القادري بأنّ عباس الجيراري « طوّر إطاراً نظرياً لدراسة الأدب الشعبي، مستصحباً أثراً نابضاً من إرث الوطنية الثقافية المغربية ووهج التجربة المصرية، التي عايشها عن قرب خلال سنوات دراسته بمصر، فعكف في كتاباته على إبراز الخصائص الحقيقية للذات المغربية في الثقافة والدين والسياسة. فوجّه عنايته لدراسة الأدب المغربي، مُستنداً إلى مفهوم البيئة الإقليمية الذي لا يعني عنده انحصاراً في محلية ضيقة، لوكن باعتباره الإقليمية وسيلة أساسية للم شتات الأدب العربي في كلّ الأقطار التي أبدعته ».