هاورد بيكر سوسيولوجي أمريكي مُبَرَّز، حصل على الدكتوراه من جامعة شيكاغو، التي اشتهرت باحتضان واحدة من أهم المدارس السوسيولوجية في العالم، والتي عُرفت باسم « مدرسة شيكاغو ». تميزت مدينة شيكاغو في بداية القرن المنصرم بكثافة ديموغرافية هائلة من المهاجرين الأمريكيين وغير الأمريكيين من مختلف دول أوروبا، فنتج عن تلك الكثافة البشرية مشكلات متعددة بالمدينة.
وقد اتخذ سوسيولوجيو جامعة شيكاغو (في مقدمتهم روبير بارك، وليام طوماس، لويس وورث) من مدينتهم مختبرا سوسيولوجيا كبيرا، أَلهَمَهُم لتشييد حقولٍ جديدة منها سوسيولوجيا الفقر وسوسيولوجيا التحضر وسوسيولوجيا الهجرة وطرائقَ مستحدثة في البحث والكتابة الاجتماعيين (البحث الميداني، تقنيات المنهجية الكمية، تقنيات المنهجية الكيفية)، فصارتْ اجتهادات هذه المدرسة تقاليدَ مكرسةً في السوسيولوجيا العالمية.
درّس بيكر علم الاجتماع بجامعة شيكاغو ثم بجامعة نورث وسترن (1965-1991)، ثم بجامعة واشنطن (1996-1999). وطَوَّرَ مقاربات خاصة سواء في سوسيولوجيا الانحراف بإصدار كتابه المرجعي « الغرباء » (1963)، أو في سوسيولوجيا الفن والموسيقى بإصدار كتب مرجعية أولها « عوالم الفن » (1982)، موظفا خبرته الموسيقية لكونه عازفا وأستاذا مساعدا للموسيقى. وقد حظيت أعمال بيكر باهتمام كبير من السوسيولوجيين الفرنسيين، لكنها حسب ما يبدو تكاد تغيب في الإنتاج الفكري باللغة العربية حتى الآن.