أفادت مصادر Le360بأن الراحل كان في رحلة عمل مهنية في العاصمة الاقتصادية للمملكة بمناسبة رأس السنة الأمازيغية 2975 قبل أن يعود على متن حافلة متوجهة نحو أكادير، غير أن أزمة قلبية باغتته على مستوى مدينة سطات، ما اضطره إلى النزول والذهاب إلى أقرب قسم مستعجلات بالمنطقة.
وبمجرد علمهم بتواجده بقسم المستعجلات تدخل معارفه ليتم نقله على وجه السرعة إلى إحدى المصحات الخاصة بالدار البيضاء، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك وسط تأثر شديد في صفوف أفراد عائلته وأصدقائه وزملائه في المهنة وكل الجمهور المحب لهذا الفنان، الذي ترك خلفه بصمة كبيرة في الفن الأمازيغي الأصيل.
وشكل خبر وفاته صدمة في الوسط الفني وبين عشاق التراث الأمازيغي، حيث نعاه فنانون ومثقفون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيدين بإسهاماته الجليلة في صون الموروث الثقافي المغربي.
ويُرتقب أن يُشيع جثمانه في مسقط رأسه بجهة سوس وسط حضور كبير من محبيه وزملائه، الذين سيودعونه بمشاعر من الحزن والتقدير لإنجازاته الفنية والإنسانية.
مسار بلمودن.. عميد عازفي الرباب
يعد بلمودن رمزا من رموز الفن الأمازيغي، حيث ساهم طيلة مسيرته الفنية التي امتدت لأكثر من أربعة عقود في الحفاظ على التراث الموسيقي السوسي ونقله إلى الأجيال الصاعدة.
اشتهر بإتقانه لآلة الرباب، التي تعد من أعرق الآلات الموسيقية في التراث الأمازيغي، واستطاع عبر أدائه المتفرد أن يثري الساحة الفنية بلمساته الإبداعية ومقطوعاته التي لاقت صدى واسعا داخل المغرب وخارجه.
وُلد لحسن بلمودن، واسمه الحقيقي لحسن الأنصاري، في قبيلة آيت طالب بمنطقة إمنتاگن بإقليم تارودانت، عام 1954. نشأ في بيئة أمازيغية أصيلة، حيث تعرّف منذ طفولته على ملامح التراث الثقافي والموسيقي للمنطقة. بدأ تعليمه في الكتّاب القرآني بقريته، حيث تعلم القراءة والكتابة، لكنه سرعان ما انجذب إلى الموسيقى، فبدأ في تعلم عزف آلات تقليدية مثل الرباب والناي (العواد بالأمازيغية) بشكل ذاتي.
مع حلول عام 1968، انطلق الرايس لحسن بلمودن في مسيرته الفنية، مبدعا في عزف الرباب والعواد، وسرعان ما ذاع صيته بين عشاق الموسيقى الأمازيغية. انتقل بين القرى والمدن الكبرى مثل مراكش والدار البيضاء، ورافق عمالقة الروايس في المغرب، منهم الرايس الحاج عمر واهروش، والرايس محمد أويحيي، ومحمد الرايس أگرام، وغيرهم من الأسماء اللامعة في تاريخ الموسيقى الأمازيغية.
لم يكن الرايس بلمودن مجرد عازف؛ بل كان شريكا فنيا مميزا للعديد من الروايس الكبار، مثل الرايس أحمد أمنتاگ والرايس بونصير محمد. وساهم بشكل كبير في تطوير فن تيرويسا بسوس وصموده في وجه التطور، كما اشتغل مع أهرام الأغنية الأمازيغية كمبارك أيسار، الحسين الباز، الحسين أمراكشي، أوطالب المزوضي وفاطمة تباعمرانت ورقية الدمسيرية وفاطمة تيحيحيت وغيرهم من الرواد الكبار.
كما ساهم في تسجيل وإحياء التراث الموسيقي الأمازيغي من خلال إصدار ألبومين موسيقيين، لقيا إعجابا كبيرا لدى عشاق الفن الأمازيغي.
عرف بلمودن بمهارته الفائقة في عزف الرباب، حيث كان يُضفي لمسة فريدة على الألحان الأمازيغية، مما جعله واحدًا من أكثر الفنانين طلبًا في المشهد الفني. كما لعب دورا هاما في نقل مهاراته للشباب، مسهمًا في الحفاظ على استمرارية التراث الموسيقي الأمازيغي.
وترك الراحل إرثا فنيا زاخرا، من تسجيلات وحفلات تميزت بحفاظها على هوية الموسيقى السوسية ومزجها بتجديدات أضافت إليها بعدًا عالميا. كما كان له دور كبير في تأطير وتكوين جيل جديد من العازفين الشباب، الذين نهلوا من علمه وشغفه بالموسيقى الأمازيغية.
برحيل الرايس لحسن بلمودن، يفقد المغرب أحد أبرز حراس تراثه الموسيقي الأصيل، وشخصية أثرت المشهد الفني لعقود طويلة.
سيظل إرثه الفني حيا في ذاكرة محبي الموسيقى الأمازيغية، وفي قلوب كل من عاشقوا أنغام الرباب التي أبدع فيها.