لذلك تُعتبر المدينة ذات مزاجٍ شتويّ بامتياز، قلّما نعثر عليه داخل مدنٍ مغربيّة أخرى، ما أثّر إيجاباً وبشكلٍ قويّ على سياحة المنطقة واستقطابها لأكبر عددٍ مُمكنٍ من سيّاح العالم إلى منطقة « ميشليفن » المغمورة سنوياً بالثلج. هناك يلتقي عنف الطبيعة بسحر الصورة وبساطة العيش بمُتعة الحياة الهادئة، بعيداً عن صخب بعض المدن الاقتصادية والإدارية الكبرى مثل الدارالبيضاء والرباط. ذلك إنّ مدينة إفران، تتجاوز في صورتها البرانية، ما يُمكن أنْ نسقطه على مدنٍ أخرى استهلاكية، لأنّها ليست ترفيهية، يُمكن أنْ يرنو إليها السائح للاستجمام والترفيه والغوص في أمكنتها وعوالمها وضجيجها وناسها، كما هو الحال لمراكش أو مكناس أو فاس.
فهذه المدينة منعزلة ببراءتها وجمالها عن كلٍ فضاءٍ مغربيّ آخر، تُقدّم نفسها كغريبة داخل اجتماعٍ مغربيّ متصدّع. فالزائر لهذه المدينة، قد لا يُصدّق حجم جمالها ونظافتها ولمعانها، إذْ تُشعره حدائقها وخضرتها وعمارة منازلها، أنّه يعيش في جنّةٍ سابقةٍ على موته.
كيف لا يكون ذلك وإفران تستقبلك مثل عروسٍ مُزيّنة بلباسٍ أبيضٍ مُتوهّج ناصع البياض، لكنّها إذا أحببتك أكثر، فإنّها تشرق شمسها الذهبية فوق حدائق مُتنوّعة مغمورة بالثلج. لهذا، ظلّت المدينة محطّة سياحية لكبار النجوم والفنانين والمخرجين من العالم، الذين طالما تردّدوا عليها للتنزّه وعيش لحظات صمتٍ مُستقطعة من حياتهم.
غير أنّ الزائر العَابر للمدينة في فصولٍ أخرى خارج الشتاء، يكاد لا يستقرّ عند دفء معالمها وغنى فضاءاتها، لذلك تُشعره بالكآبة بسبب صمتها وجمودها. لكنّها مع ذلك، تظلّ المُفضّلة بالنسبة للكتاب والمُبدعين، بحكم مزاجها الشتويّ الناعم والشاعري البارد. فهذا المناخ المُنعش، يجعل أجسادهم مُنتشية بزخّات المطر ونتف الثلج الصغيرة، وهي تُزيّن ببياضها أرصفة المدينة وساحاتها العامّة. ولا غرابة أنْ تكون إفران أكثر المُدن سياحة خلال فضل الشتاء، فقد تعوّد المغاربة إلى النزوح هناك رفقة عائلاتهم للاستمتاع بالمناظر الخلاّبة والندوب العميقة التي تتركها الثلوج على أرصفة المدينة، إذْ تبدو وكأنّها لوحة تشكيليّة مُرصّعة ببياضاتٍ تكاد تكتسح المدينة بأكملها.
من وسط قمم الأطلس المُتوسّط، تُطلّ إفران بجمال حدائقها وقسوة بردها، لا لتحجب عنها زيارة السيّاح المغاربة والأجانب معاً، بل لتغويهم إلى ولوج فضاءاتها العامّة والاستمتاع بالتزحلق على الثلج والمكوث في المقاهي الخشبية البُنّية الساحرة المُزيّنة بكل ما هو عريق وأصيل في الذاكرة المغربيّة. لذلك يُعدّ هذا النوع من الرياضة، دافعاً أساسياً للكثير من المغاربة الذي يزورون إفران سنوياً لقضاء عطلٍ صغيرة قبل العودة إلى منازلهم.
ويُشكّل هذا الفصل البارد مختبراً حقيقياً لضخ دماءٍ قويّة في جسد السياحة المحلّية، حيث تغدو الفنادق غاصّة بالسيّاح الأجانب وأيضاً بالرحلات المدرسية التي تُنظّمها المؤسّسات التعليمية لفائدة التلاميذ، بعد أنْ يمرّوا على مدينتي فاس ومكناس لمُشاهد المعالم الأثريّة. لكنّ إفران، تظلّ محطّة استراحة بالنسبة للسيّاح، ما تتوفّر عليه من مناخ بارد وهواء نقيّ ومعالم معمارية قويّة البُنيان وحدائق مُزركشة تُشكّل واجهات بصريّة وجماليّة بالنسبة للمدينة.
تُعرف إفران في كونها التوأم في العالم لسويسرا، بحكم ثلوجها ونظافتها وغزارة طبيعتها. مع أنّها لا تستمدّ منها أيّ وجودٍ أو معالم، باستثناء ملامح حدائقها، لكنّ عامل النظافة، جعل سياحاً كثر، يُطلقون عليها هذا الاسم ويتردّدون عليها سنوياً من أجل الاستمتاع بمناظر الثلوج وهي تتكوّم فوق حجارة منطقة ميشليفن. لكنّ إفران من الناحية الجماليّة أكبر من كونها مدينة ثلجٍ بامتياز، لأنّ فضاء مَديني قد نعتبره من أهم الأماكن التي عرفت بلورة الحداثة المعمارية الغربيّة، سيما وأنّها مازالت تحتفظ إلى اليوم بجماليّات عمارتها المُستمدة من المرحلة الكولونياليّة، إذْ يغلب عليها نموذج البيوت الثلجية على جماليّات اللون وانحدار طول السقيفة وتمركز حدائق صغيرة على مدخل أغلب البيوت، حتّى تستفيد من ذوبان الثلج والتساقطات المطرية المُتدحرجة من سقيفة المنازل وواجهاتها الخارجية.
ورغم أنّ عمارة إفران، لم تحظى بأهميّة بالغة داخل البحث الفنّي، بحكم وجود هذا النّمط المعماري الغربيّ داخل مدنٍ مغربيّة أخرى من حيث النموذج. إلاّ أنّها عُرفت في كونها مدينة الحدائق الساحرة والمياه العذبة مثل عين أو شلاّل فيتال الآسر، حيث يُشكّل الماء قوّة جماليّة وبلاغة وجوديّة تستفزّ عين السائح وتفتنها بصفاء مياهها، وما يُحيط بها من صمتٍ طبيعي، لا يُكسّر من حدّته أصوات الماء والعصافير على اختلاف أشكالها وألوانها.