يحرص النقاد في مثل هذه الدراسات على تجديد صنعة النقد الأدبي وذلك من خلال مزج القديم من المناهج بالحديث من الموضوعات. ورغم أنّ موضوع البالغة حظي بدراسات كثيرة في مجال التداول النقدي، إلاّ أنّ الموضوع ما يزال يطرح الكثير من القضايا والإشكالات، خاصة في مثل هذه الدراسات التي تخرجه من جفافيته التقليدية وتحاول أنْ تمنحه حياة أخرى داخل دراسات نقدية معاصرة. كل هذا في وقتٍ يتراجع فيه الاهتمام بالبلاغة كشرط أساسي في تتويج الخطاب من الناحية الجمالية قبل الشروع في تأمّل فلسفة الخطاب والأسس المعرفية التي يتأسس عليها ويبني شرعيته داخل النقد الأدبي. والحقيقة أنّ اهتمام النقد الأدبي بالرواية مقارنة بالأجناس الأخرى، ساهم في تهميش العديد من القضايا والإشكالات والعناصر التي تعطي للأعمال الأدبية قيمتها في فهم المجتمع واستيعاب منسوب الوعي الفكري داخلها.
تأتي قيمة هذا الكتاب في كونه يعيد للباغة قيمتها وأهميتها في تأمّل العمل الأدبي قبل الشروع في فهم خطابه والأسس العلمية التي شُيّد عليها والأنساق الثقافيّة التي تصوغ معالمه ورؤاه. ولا يتعلّق الأمر هنا بأوّل كتاب للباحث فقد سبقته العديد من الدراسات والأبحاث التي تزيد من وعي الكتاب وقيمته بالنسبة للقارئ العام وأيضاً للباحثين الشباب الذين سيجدون فيه ما يستحقّ التفكير والتأمّل.