يغلب على النقد اليوم، هاجس النقل على حساب الإبداع والابتكار. تشعر وكأنّ النقاد يكتبون بلغةٍ واحدة، تستمدّ ملامحها الشكلية من أسلوب الترجمات المشرقية، مع وجود استثناءات قليلة، حرصت منذ سبعينيات القرن المنصرم، على قلب مفهوم الكتابة النقديّة وتكسير حدودها الصارمة، وجعلها مفتوحة على متاهات الكتابات الجديدة وتحوّلاتها. إنّ المُشكل يكمن بالدرجة الأولى في عدم قدرة النقاد على استنبات مفاهيم أخرى بعيدة عن الثقافة الغربية.
إذْ يعثر القارئ على نفس النماذج النقديّة الفرنسية داخل النصّ النقدي المغربيّ لكلّ من رولان بارت وجاك دريدا وتزفيتان تودوروف وجيرار جينيت، وكأنّ هؤلاء النقاد الوحيدون الذين كتبوا في النقد الأدبي، في حين توجد أسماء فكريّة أخرى شرّحت النصّ الأدبي وحاولت إقامة نوعٍ من العبور المعرفي الذي يُعطي إمكانية للنقد أنْ يغدو فكراً متجذّراً في ثقافته. بل إنّ هذا الانفصام المعرفي اكتسح حتّى الأوساط الجامعية التي من المُفترض أنْ تمتلك بعضاً من الحريّة المعرفية على مُستوى توجيه الطلبة والباحثين إلى مناخات نقديّة عربيّة، وذلك من أجل تثمين المشروع النقدي المغربيّ وفتحٍ إمكاناتٍ مستقبلية له ولتجاربه ورموزه.
إنّ النقد الأدبي في المغرب، عبارة عن كتابة مُستلبة تُفكّر بتراث الآخر وتتكلمّ بلسانه، دون أنْ تُفكّر في الشروط المعرفية والسياقات التاريخيّة التي أنجبت بعض النصوص الأدبيّة المغربيّة، باعتبارها خاضعة لظواهر اجتماعية وتحدّيات سياسية يستحيل فهمها، إذا لم يتم وضعها في سياقها المعرفي الصحيح. فكيف يجوز تحليل نتاج اسم أدبي واعد بأفكار بارت وفوكو وموران؟ هذا الأمر، يجعل مُجمل هذا النقد ضربٌ من التعتيم الغارق في الإسقاطات المعرفية.
ففي سبعينيات وثمانينيات القرن الـ 20 ظلّ النقد المغربي على الأقلّ حريصاً على إنتاج نصّ نقديّ يُوازي في تشكّلاته الفكريّة بين حداثة الفكر الغربي وخصوصيات الثقافة المحلية. بل كانت مجلة « الثقافة الجديدة » سبّاقة إلى عملية ترجمة نصوص نقدية لكبار النقاد المفكّرين والعمل على تبيئتها داخل الثقافة المغربيّة، بما جعل الساحة الثقافيّة تنتبه إلى هذه الأسماء وتحرص على استغلالها في متونها النقديّة. غير أنّ هذه الطريقة ظلّت تتكرّر من مرحلة إلى أخرى وبنفس الرؤية العلمية التي تُعلّم الكسل المعرفي، حيث يروم الباحث الجامعي إلى عملية اقتباس نماذج من النقد الفرنسيّ لتحليل نصّ أدبيّ ضارب في جذور التاريخ المغربي وذاكرته.
تُقدّم الجامعة اليوم، مثالاً سيئاً عن النقد الأدبي الجديدة ووظيفته، فهو نقد ميّت داخل أسوارها. نقدٌ تُحرّكه هواجسٌ تربوية تُعطلّ حاسّة التفكيك، بل إنّه يُقدّم نفسه كخطاب وصفٍ وحكي، لكونه غير قادر على استحداث جديدٍ يُعوّل عليه على مُستوى التحليل، فبالأحرى ابتداع مفاهيم واستشكال القضايا ورصد السياقات واجتراح أفق نقديّ جديدٍ ومُغايرٍ.