تأتي قيمة الكتاب في كونه يحفر في مجال يصعب فيه العثور على مصادر تاريخية حول الغناء والموسيقى، بما يجعل المؤرخ يساهم من وجهة نظره العلمية في التنقيب عن الغناء عند اليهود والمسلمين. فالغناء والموسيقى لهما تاريخ طويل في البلاد العربية. غير أنّ العثور على مصادر تاريخية حول الممارسة الغنائية في المجال المغاربي يبدو من الصعوبة بمكان. من هنا، تأتي فطنة بن الصغير في نقل هذا الكتاب إلى العربية، وعياً منه كمؤرّخ بقيمة هذا المنجز العلمي وما يمكن أنْ يلعبه من دور على مستوى البحث التاريخي الذي يفتقد إلى مثل البحوث حول الممارسة الغنائية والتأليف الموسيقي عبر تاريخ الأقطار المغاربية.
والحقيقة أنّ القارئ، قد تعوّد كلّما أصدر بن الصغير كتاباً جديداً أنْ يجد نفسه أمام مؤلف مختلف، سواء كان كتابة أو ترجمة. فخالد بن الصغير معروف داخل مجال البحث في تاريخ المغرب وكتب مجموعة من الدراسات الأصيلة التي تتميّز بدفقها المعرفي وقدرته على تقديم سردية تاريخية تقترب في نمط كتابتها إلى الفكر، وذلك في موضوعات ذات صلة باليهود وغيرهم.
وإلى جانب كتاباته التاريخية عُرف خالد بن الصغير في كونه من كبار المترجمين للمصنّفات التاريخية ذات الأثر البالغ في يوميّات البحث العلمي مثل « الحركات الإصلاحية وإصلاح نظم الدولة في بلدان المغارب خلال القرنين التاسع عشر والعشرين » و »يهود في مهبّ الريش: تجارة ريش النعام الدولية » و »القضاء المتعدد: اليهود والمسلمون في المغرب المعاصر » وغيرها من الدراسات العلمية المعروفة.
عن كتابه الجديد، يقول بن الصغير بأنّ « كتاب الموسيقى والغناء في قلب التاريخ، فقد صدر في الأصل باللغة الإنجليزية عن منشورات جامعة ستانفورد سنة 2022، فحاول مؤلفه كريستوفير سيلفير، أستاذ التاريخ في جامعة ماكجيل في مونتريال بكندا، استعادة عوالم من الوثائق الموسيقية المادية، ومن شتَّى المستندات والحوامل المرئية، والمدونات المسموعة، مما يوضح أن الحصول على الموسيقى والولوج إليها، في النصف الأول من القرن العشرين، ليس بالأمر الممكن فحسب، وإنما هو مفيد جدًا، لتمكين الدارسين من المضي قدمًا، وبخطوات ثابتة، في إنجاز أعمالهم وأبحاثهم ».
وأضاف بن الصغير « معنى هذا، أنه بموازاة مع استخدام معطيات المصادر التقليدية، ومحتويات الموارد الأساس، التي اعتاد مؤرخو البلدان المغاربية وغيرهم استعمالها، والرجوع إليها، مثل الصحافة، والأبحاث والدراسات والتقارير الاستعمارية الموجودة منها في المغرب والجزائر وتونس وفرنسا، ثم الأدبيات التي تعود إلى تلك الحقبة؛ وناهيك عن المذكرات - فجميعها تعج بالأصوات ».
من ثم يرى بأنّ هذا الكتاب « قد تأتَّت له الاستعانة بتوظيف رافدٍ مصدريٍ أساس، اتضح بأنه فريد وجديد، ولم يُستثمر حتى الآن، إذ لم يسبق لأحد أن اعتمد مواده الغزيرة والمتنوعة. ويتعلق الأمر بمدونات التسجيلات الموسيقية والصوتية، الصادرة باللغة العربية ذاتها، وبصورة مكثفة. وتغطي هذه الدراسة غير المسبوقة، والتي توليت أمر ترجمتها إلى اللغة العربية، كافة البلدان المغاربية، أي المغرب والجزائر وتونس في علاقاتها بالمحيط المتوسطي الواقع تحت مؤثرات الدول الغربية المجاورة ».
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا