من بين ذخائر هذه الأرشيفات، كتب عن المغرب تعود إلى القرن الثاني عشر، مثل مخطوطة «الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية»، وهي شهادة قيّمة عن مراكش في عهد المرابطين ثم الموحدين.
لكن يبقى أرشيف الحكومة العامة للجزائر الذخيرة الأساسية. فعلى عكس اسمها، لا يقتصر هذا الأرشيف على الجزائر فقط: فمنذ عام 1830، دأبت الإدارة الفرنسية على جمع معلومات عن المغرب بشكل ممنهج، لا سيما مع تنامي أطماعها التوسعية في الصحراء. تحكي سلسلة «H4» عن عمليات الاستطلاع والبعثات العلمية والعسكرية في جميع أنحاء المغرب. وتضم ما يقارب خمسين صندوقا، تعد كنزا حقيقيا حول «الأقاليم الجنوبية» -وهي كيان أُنشئ لربط الجزائر الاستعمارية بغرب إفريقيا الفرنسية. تحتوي هذه الصناديق، التي تشكل جزءً من أرشيفات الجزائر الفرنسية، على:
- ملفات عن عائلات الحكومة المغربية (المخزن)،
- نصوص البيعة باللغة العربية،
- مجموعات غنية من المخطوطات للزوايا التيجانية والوزانية والناصرية والحنصالية والعيساوية،
- مونوغرافيات حول قبائل الصحراء،
- آلاف الخرائط وترسيم الحدود.
وهكذا تظهر معالم خريطة أرشيفية للاستحواذ على الأراضي: فالأرشيف الوطني لأقاليم ما وراء البحار يروي، من خلال هذه القطع، التآكل التدريجي للسيادة الروحية والسياسية والثقافية للمغرب في ظل الاستعمار.
حق المغرب في استعادة الأرشيف
لا يمكن تفسير الطلب الجزائري باستعادة هذه الأرشيفات، المصاغ منذ الثمانينيات من القرن الماضي، بمعزل عن النزاع بخصوص الصحراء (الغربية والشرقية). فيوم 22 دجنبر 2020، نشرت قناة «TV5 Monde» مقالا تحت عنوان: «الجزائر تطالب فرنسا بتسليم «جميع» أرشيف الفترة الاستعمارية الذي يهمها (1830-1962)». جاء هذا الطلب بعدما أخبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل يومين عبد المجيد تبون أن تقرير المؤرخ بنجامين ستورا حول الذاكرة الاستعمارية وحرب الجزائر سيكون «جاهزا في يناير».
مع ذلك، لا يمكن للنقاش حول الذاكرة أن يحل محل الحقيقة التاريخية والترابية: فالعديد من الوثائق المحفوظة في إكس أون بروفانس تهم المغرب في المقام الأول. لا يضم أرشيف كما يضم إقليم -وربما يدرك بنجامين ستورا هذا الأمر بشكل أفضل إذا وسع نطاق تناوله لقضية الأرشيف نفسها.
يهم عدد كبير من الوثائق المحفوظة في الأرشيف الوطني لأقاليم ما وراء البحار بأراض لا تزال السيادة عليها موضع نزاع. إن إعادة هذا الأرشيف إلى الجزائر من شأنه أن يعزز التفسير الأحادي لتاريخ الصحراء على حساب المطالب المغربية على وجه الخصوص بالصحراء الشرقية. لذا، تتجاوز القضية المواجهة الفرنسية الجزائرية: إذ يصبح الأرشيف أداة استراتيجية للشرعنة.
يسمح الأرشيف لبلدانها الأصلية، وفي مقدمتها الجزائر والمغرب وموريتانيا والسنغال وفيتنام، بالولوج السيادي إلى ذاكرة تاريخية مشتركة. وهكذا، يحدث تأميم للذاكرة الاستعمارية، على حساب المستعمرات السابقة، إذ يشكل هذا الأرشيف، مع ذلك، جزءً أساسيا من تاريخها الإداري والاجتماعي والسياسي.
من أجل جرد أرشيفي مشترك
إن جردا شاملا وصارما من شأنه أن يشجع الباحثين المغاربة والأجانب على استكشاف ذخائر إكس أون بروفانس. تقدم هذه الروايات غير المنشورة نقيضا صحيا في مواجهة أي خطاب باتريمونيالي تبسيطي بخصوص إنهاء الاستعمار.
وفي ما يلي وثيقتان مصنفتان ضمن أرشيف الحكومة العامة للجزائر، لكنهما تهمان المغرب بالدرجة الأولى. إن إعادة هذه الوثائق إلى الجزائر يعني في الواقع الحكم عليها بالضياع، بل بالتلف أو الإتلاف المتعمد، خاصة وأن النظام الجزائري بمعروف بفبركة رواية وطنية بما يخدم مصالحه:


تاريخ ضم مزدوج: ترابي وأرشيفي
يحتفظ الأرشيف الوطني لأقاليم ما وراء البحار بجميع الأرشيفات المتعلقة بالإدارة الاستعمارية الفرنسية في إفريقيا وآسيا، إلا أن الجزء الجزائري هو الأهم. ومع ذلك، فإن المقاطعات التاريخية الثلاث (وهران والجزائر وقسنطينة) لا تمثل سوى جزءً من هذه الوثائق. أما الباقي فيأتي من مقاطعات الساورة (بشار وتندوف وتبلبالة وتوات وعين صالح) والواحات، التي ضمت إلى الجزائر بعد عام 1962، ولكنها كانت مرتبطة تاريخيا بالمغرب.
وبعد دمجها في المنظمة المشتركة للمناطق الصحراوية، أصبحت هاتان المقاطعتان، بعد اتفاقيات إيفيان، ورقة دبلوماسية في يد ديغول: الاعتراف بالسيادة الجزائرية للحفاظ على المصالح الفرنسية في باطن الأرض الصحراوية. ومع ذلك، تحتوي العديد من المجموعات الأرشيفية تحت أرقام «H30»، و«H31» و«H32» على ما يصل إلى 60 ألف وثيقة تتعلق بالمغرب -وهو دليل على إنكار صامت لمصدرها الحقيقي. وهكذا يجسد الأرشيف الخاص بالساورة والواحات الاستيلاء ما بعد الاستعمار، حيث يتم خلط التاريخ الترابي بالمنطق الإداري الفرنسي، مما يؤدي إلى تجميد الذاكرة لصالح الجزائر الموسعة.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، تحاول الجزائر إدراج مسألة الأرشيف الاستعماري ضمن اتفاقيات إيفيان، على الرغم من أن هذه الأخيرة لا تعالجها. بالنسبة للجزائر، تشكل هذه الوثائق إرثا أساسيا يحمي الرواية الوطنية من الوثائق التاريخية ويخفي آثار الجريمة. أما بالنسبة للمغرب، فهي تشكل في المقام الأول دليلا تاريخيا على عمليات بتر أراض فرضها جيل كامبون في نهاية القرن التاسع عشر، ثم أعاد هواري بومدين إحياءها بعد عام 1975.
لذا، تثير إعادة هذا الأرشيف إلى الجزائر إشكالا سياسيا وتاريخيا: هل يمكن تسليم أرشيفات حساسة إلى دولة ينظر إليها على أنها مستفيدة من إعادة تقسيم استعماري؟ ينبغي أن تخضع الوثائق الخرائطية والدبلوماسية للصحراء لوضع متعدد الأطراف، يضمن وصول جميع الدول المعنية إليها. وأول دولة معنية بعمليات بتر أراضيها لصالح الجزائر الفرنسية هي المملكة المغربية.



