ولتكُن هذه أول محاولة لصاحب «مفهوم الدولة» فقد سبق لعبد الله العروي ترجمة العديد من المصادر الأساسية في تاريخ الفكر العالمي مثل: «تأملات في تاريخ الرومان» لمونتيسكيو و«دين الفطرة» لجون جاك روسو. وهي ترجمات دقيقة من حيث الاشتغال المعرفي على النصوص. فالعروي لا يكتفي بعملية النقل والترجمة الحرفية للمفاهيم والبناء الداخلي للجمل وخطاباتها، بل يتعدّى ذلك إلى أنْ تغدو الترجمة عملية فكريّة في أساسها.
ومن المعروف أنّ العروي، طالما اشتكى من المترجمين لمجموعة أعماله الصادرة باللغة الفرنسية. فكان صاحب «ثقافتنا في ضوء التاريخ» يأخذ زمام المبادرة فينقل أعماله إلى العربية مثل «الإيديولوجية العربية المعاصرة» و«بين الفلسفة والتاريخ» على سبيل المثال لا الحصر.
يندرج مشروع العروي في إطار ما سمي بالتاريخانية التي تهدف إلى الكشف عن أعطاب التأخّر التاريخي على ضوء سؤاله المركزي: لماذا تقدّم الغرب وتأخّر العرب؟ وهو سؤال عميق واصل عبره العروي نحت مجموعة من المفاهيم المُرتبطة بـ«التاريخ»، «الدولة»، «الحرية»، «العقل» ثم كتابات أخرى ذات طابع تحليلي مثل: «ثقافتنا في ضوء التاريخ»، «السنة والإصلاح»، «الإيديولوجية العربية المعاصرة» وغيرها. وصولاً إلى كتاباته الأدبيّة التي وضعت الشرط التاريخي في إطار مُحدّد لسيرة الكائن البشري. وقد نتج عن ذلك مجموعة من الأعمال الأدبيّة مثل «الغربة»، «اليتيم»، «أوراق»، «خواطر الصباح».
هذا وقد ورد في الكتاب بأنّ «البشر لا يستطيعون بطبعهم أن يعيشوا بدون ضوابط عامة، والمسألة هذه، مسألة الضوابط المنظمة للشأن العمومي، تعرض لها رجال، وصفهم البعض بالدهاء والبعض الآخر بالنباهة، لكن الكل أجمع على أنهم أصحاب بصيرة وبعد نظر، فلا يتصوّر أن نبتكر تركيبة سياسية، عملية وناجعة، لم يسبقونا هم إليها».
ولكا قرّر سبينوزا التطرق إلأى موضع السياسة لم يكن غرضه «الكشف عن شيء غير مألوف بل الاستدلال ببراهين يقينية أو بعبارة أوضح أن أستنبط من طبيعة الإنسان عددا من المبادئ، المساوقة للواقع، متناولا المسألة بذهنية عالم الرياضيات الخالية من أي حكم مسبق. حاولت قدر المستطاع أن أتجنب ما يغلب على نفوس البشر من سخرية أو امتعاض، مكتفياً بفهم الواقع كما هو».