مع أنّ هذا الاختيار، تتحكّم فيه دوافع تجارية أكثر من كونها فنية وجمالية. فالطفرة البصرية التي شهدها مجال الصورة في العالم، دفعت بالعديد من المخرجين في الهند إلى محاكاة النموذج الغربي في سبيل اجتراح صورة كونية لأعمالهم. يخلط الهنود بين الكونية ونظيرتها العالمية، إذْ يعتقدون أنّ محاكاة النموذج الأميركي مثلاً، سيجعلهم ينتمون إلى الزمن المعاصر. مع أنّ السينما الهندية لا تحتاج إلى التقليد الهوليوودي حتى ترسم ملامحها الجمالية. فتأثيرها في العالم مازال واضح المعالم والرؤى. إذْ يحضر بقوّة في المغرب، سواء في سيرة الفنّ السابع بالمغرب، أو عبر نماذج غنائية عملت على استلهام الموسيقى الهندية، كما هو الحال مع فرقة « الفناير » في أغنية « ديلبار » وعبد الفتاح الجريني في « جبرا فان » و« زاليما ».
كما أنّ المجتمع الهندي، يُعد أكثر الشعوب عشقاً وحباً للفن السابع في العالم ككل. إذْ يستحيل العثور على مجتمع يعاني من البطالة والفقر المدقع والتخلف والانحطاط على كافة مستوياته السياسية والاقتصادية، يُكنّ كل هذا الحب الأسطوري للسينما ومُتخيّلها. فالسينما الهندية لها جمهورها الواسع في العالم ولها روادها وعشاقها، إذْ رغم الإمكانات التي تتوفر عليها هوليوود، لم تستطع أن تُسيطر وتحكم قبضتها على السينما البوليوودية. لأنّ الفيلم الهندي متغلغل في العالم منذ نهاية الستينيات ويمتلك سلطة شعبية بالعالم العربي يستحيل طمسها. وإلى حد اليوم، ما تزال بوليوود صناعة رائجة سينمائياً، خاصّة على مُستوى الإنتاج، إذْ تتفوّق على السينما الأمريكية من حيث عدد الأفلام المُنتجة والمُصوّرة في السنة الواحدة.
وقد عملت السينما الهندية، على المساهمة والمساعدة في تثمين نشوء الفن السابع ببعض البلدان العربية. لأنّ الفيلم الهندي الذي كان منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي يُعرض في المغرب مثلاً، يُنجح شبّاك التذاكر أكثر من الأفلام الأميركية والفرنسية واليابانية. بل إنّ صالات العرض كانت غاصّة بالمشاهدين على اختلاف أعمارهم ومشاربهم الفكرية. ما جعل بعض دور العرض تتوقّف عن عرض بعض الأفلام الغربية، لصالح عرض أفلام هندية تستقطب يوما بعد يوم المشاهدين.
إنّ ما فعلته السينما الهندية في تقريب الفن السابع إلى المجتمع المغربي، لم تُنجزه المؤسّسات الثقافية والفنية ولا دبلوماسياتها الكاذبة. إذْ يكفي عرض فيلم واحد لشاروخان أو أميتاب باتشان أو كاجول أو ومادهوري ديكشن، حتّى يتجمهر الناس بقوّة أمام الصالات خلال الثمانينيات ويعيشون ضرباً من الحلم البصري غير المُؤجّل. فقد راهن المغاربة على السينما الهندية، باعتبارها فُرجة بصريّة أصيلة تُخرج الناس من لحظات البؤس والتشظّي التي يعيشونها، صوب عوالم سينمائية متخيّلة، تُصبح فيها المُشاهدة السينيفيلية عبارة عن فُرجة حميمية.
ونظراً إلى هذا الاقبال الجماهيري تجاه السينما الهندية، حرص العديد من الفنانين المغاربة على استلهام هذا الموروث الفنيّ الهندي، ومُحاولة تطويعه والتعبير عنه غنائياً وبصرياً عبر مجموعة من الأغاني والأفلام. ويُسجّل المرء مدى حرص العديد من الفنانين على استلهام ملامح الأغنية الهندية في قالب مغربي، مع الحفاظ على المؤثّرات الصوتية والعناصر البصرية السينمائية التي تُميّز الفيلم الهندي عن غيره من الأفلام العالمية الأخرى. إذْ نعثر على هذا التواشج الجمالي بين الهندي والمغربي، قد انتقل من حالات الإعجاب إلى مرحلة أصبح يتم فيها التعامل مع الموروث الهندي بنضجٍ فنيّ واضح بين مؤسّسات الإنتاج الموسيقي المغربيّة والهندية، كما هو الحال في أغنية « قولي متى » للفنان سعد لمجرّد الصادرة حديثاً، بعدما حاول إعادة محاكاة النموذج الهندي غنائياً.