للسينما في فصل الصيف متعة خاصّة يمتزج فيها فعل المشاهدة بلذة البحر، ذلك إنّ عرض أفلام في إطار مخيمات صيفية أو مهرجانات سينمائية يعطي إشعاعاً كبيراً للسينما، باعتبارها فناً شعبياً قادراً على أنْ يكون مؤثراً في الحياة اليومية للناس. فهذه العروض تحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، لأنّ المشاهد يجد نفسه أمام فضاءات ساحرة مفتوحة على الواقع، فتكون المشاهدة لها طعم خاصّ أمام البحر أو على الأقلّ بمناسبة البحر. إنّ هذه الطريقة في تحرير السينما من سراديب القاعات السينمائية يعطيها زخماً واستمرارية حتّى في أكثر اللحظات التي نعتبرها ذات راحة. إنّ السينما عبارة عن استمرارية للحياة اليومية في تلقائيتها وفوضاها، فهي تنتزعنا من الواقع الفيزيقي المباشر الذي ننتمي إليه كأفراد وتدخلنا في عالم من الصور والرؤى والأحلام والاستيهامات التي تتقاطع في كثيرٍ من المرات مع الواقع. غير أنّ حضور هذا الواقع له دلالات خاصة داخل السينما.
تسعى سينما الشاطئ إلى أنْ تُكسّر من حدّة القاعات السينمائية والمركّبات الثقافية ودور الشباب وكافة الأمكنة المُغلقة لتُخرج السينما من عتمتها، صوب فضاءاتٍ مفتوحة تعبق برائحة البحر. وهذا الانفتاح على البحر يدفع السينما إلى التجدّد والانفتاح على محيطها البحري، خاصّة وأنّ السينما المغربية تفتقر إلى أفلام حول البحر، بوصفه فضاءً لعب دوراً كبيراً في تاريخ المغرب الحديث. فالخروج بالأفلام من القاعات صوب الشاطئ وعرضها في أمكنة مفتوحة يُعطينا على الأقلّ إمكانية التفكير في السينما المغربية في علاقتها بالبحر. فارتياد المحيطين المتوسطي والأطلسي يُتيح للفيلم المغربي إمكانية السفر عميقاً في تاريخ البحر والتقاط العديد من التفاصيل الغنية التي تتحوّل لاحقاً إلى موضوعات سينمائية جذابة قادرة على طرح العديد من الأسئلة الفكرية على الواقع.
يُمثّل مهرجان سينما الشاطئ بالهرهورة أفقاً لما ينبغي أنْ تكون عليه المهرجانات السينمائية، فهو فضاءٌ بصري يضعنا أمام ممارسة حداثية للسينما وليس بشكل تقليدي قد يُنفّر الناس من مشاهدة الأفلام. بل إنّها تُتيح إلى جانب المشاهدة عملية مناقشة الأعمال السينمائية وتحويل فضاء البحر إلى مختبر لمناقشة قضايا حقيقية وإشكالات سينمائية أصيلة ذات صلة بالمجتمع والسياسة. هنا يتحوّل البحر من كونها فضاءً للترفيه والاستجمام إلى مساحة كبيرة لمناقشة أوضاع السينما المغربية وتحوّلاتها الفنية والجمالية. غير أنّ هذا النقاش الذي يجعل من السينما أفقاً للتفكير سرعان ما يتسرّب إلى المجتمع بحكم ما تطرحه بعض الأفلام المغربية من أسئلة حول الدين والعادات والتقاليد والواقع والجنس والساسة وغيرها.