بالصور: المتحف الوطني في قطر يغوص في ذاكرة الفن الباكستاني

من المعرض

من المعرض

في 04/11/2024 على الساعة 19:30, تحديث بتاريخ 04/11/2024 على الساعة 19:30

أقام المتحف الوطني القطري معرضاً فنياً تشكيلياً بعنوان «منظر»، حيث جرى افتتاحه يوم الأربعاء 29 أكتوبر 2024 بحضور بعضٍ من الفنانين والإعلاميين والفاعلين الثقافيين من مختلف دول العالم. وذلك من أجل مشاركة العديد من الفنانين الباكستانيين أفراحهم وأحزانهم في طريق التحرّر والمقاومة والنضال.

تأتي قيمة هذا المعرض في كونه يفتح المُشاهد على مناخات مختلفة ولوحات متنوّعة تُضمر أصالة التاريخ الباكستاني. ذلك إنّ اللوحات المعروضة تُصبح هنا بمثابة وثائق فنية بصرية قادرة على كتابة تاريخ البلد وفهم الرجّات التي أصابته في طريق التشكّل والتأريخ للعديد من المراحل السياسية الطويلة التي طبت البلد في علاقته ببعضٍ من البلدان المجاورة الأخرى. تلعب هذه اللوحات التي تنتمي إلى أجيال مختلفة وظيفة تتجاوز كلّ ما هو فنّي جمالي، لكونها تُخرج نفسها من أيّ وظيفة تزيينية مهما كانت لتتنزّل منزلة عميقة وأصيلة، باعتبارها خطاباً فكرياً احتجاجياً يُنتج الأفكار والمواقف والدلالات والصُوَر تجاه مفاهيم الهوية المقاومة والتحرّر.

إنّنا هنا أمام معرض تشكيلي جماعي تختلف فيه الأساليب الجماليّة والمدارس الفنية، لكنّها سرعان ما تلتقي حول مفاهيم مشتركة وهواجس جماعية تشغل الفنان الباكستاني خلال المرحلة الحديث منها والمعاصرة.

ترى الجهة المنظمة بأنّ الإرث الفني والثقافي للمنطقة التي أصبحت الآن باكستان لم يبدأ إبان تقسيم شبه القارة عام 1947 وتأسيس دولة ذات سيادة، بل يسبقه بطبيعة الحال. إذْ أنجبت باكستان قبل ذلك رسمين كبار، يأتي في طليعتهم عبد الرحمان جغتائي وأستاذ الله بخش وزين العابدين الذين رسخوا مكانتهم كأسماء متميّزة ومنخرطة في التقاليد التاريخية والفنية الغنية لمنطقة جنوب آسيا.

إذْ تظهر في أعمال زين العابدين مشاهد من الطبيعة والحياة في الأرياف غالباً. إلاّ أنّ ما عزز موقعه كأحد أكثر الرواد تأثيراً على الفن الحديث في المنطقة لربما كان سلسلة أعمال مؤثرة ومبسّطة سلّطت الضوء على محنة ومعاناة الملايين خلال مجاعة البنغال. أما الأسلوب الفني الفريد لعبد الرحمان جغتائي فهو متجذّر في القيم الجمالية الإسلامية وفن المنمنمات المغولية والفارسية، بالإضافة إلى تفاعله الوثيق مع أعمال كوكبة من شعراء وكتاب اللغة الأردية، بينما تأثّرت أعمال الله بخش بالأسلوب الأكاديمي الغربي المتجسّد بقنّ رسم اللوحات الذي حاز على رعاية البريطانيين خلال فترة الاستعمار.

أما على مستوى الأرض والنزوح فنجد أنه مع انسحاب البريطانيين وتطبيق خط التقسيم الذي رسمه سيريل رادكليف، نشأت دولتان: جمهورية الهند ودومينيون باكستان، بحيث تم تقسيم الدولة الثانية بشكل تعسفي إلى منطقتين غير متصلتين. وهما باكستان الشرقية وباكستان الغربية. وغالباً ما يُشار إلى هذا التقسيم باعتباره أحد أكبر الهجرات الجماعية في التاريخ. إذْ تم انتزاع ما يقارب 15 مليون شخص من أرضهم وبالتالي أصبحوا نازحين بين ليلة وضحاها. ولا تزال ندوب العنف وإراقة الدماء التي صاحبت التقسيم حاضرة لدى الكثيرين إلى يومنا هذا، إذْ تُشير تقديرات مصادر متعددة إلى أنها تسببت بمقتل مليوني شخص. وتتطرق أعمال الفنانين وفنانات مثل ذرينة وآنا مولكا أحمد إلى هذه الصدمات بشكل مباشر. وبينما يشار غالباً إلى التقسيم عام 1947 باعتباره حدثاً منفرداً في التاريخ. إلاّ أنّ آثاره موجودة إلى الآن، بحيث تظهر تبعاته المستمرة في أعمال فنانين معاصرين منهم باني عابدي وديفيد أليسورث ».

تنتمي أعمال المعرض الفني إلى الفن الحديث والمعاصر. ذلك إنّ العديد من اللوحات تُصوّر بطريقة مذهلة نضال المرأة الباكستاني ودورها في كتابة تاريخ البلد. حيث يُوثّق المعرض سيرة العديد من الوجوه النسوية التي طبعت تاريخ البلد على مستوى التحرّر والنضال. إنّ ما يجعل المعرض مميّزاً أنّ الأعمال الفنية، لا تأتي بوصفها أشكالاً تعبيرية فقط، بقدر ما تتأسّس على ذاكرة جماعية قوية ومؤثرة تترك لدى المشاهدين أثراً عميقاً في نفوسهم حول الطريقة التي بها تتشكّل هوية المجتمعات.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 04/11/2024 على الساعة 19:30, تحديث بتاريخ 04/11/2024 على الساعة 19:30