الديكتاتوريون يكرهون الذكاء. إنهم يكرهون الكُتّاب والفنانين والمفكرين، وكل من يجعل الحرية قيمة عليا ويكشف عن أفعالهم من خلال إبداعاتهم. بوعلام صنصال كاتب كبير، وأحد أبرز رموز الجيل الجديد من المثقفين المغاربيين الذين لا يترددون في تسمية الأمور بمسمياتها، ويتجاوزون كل الخطوط في التزامهم.
على مرّ السنين، خاض صنصال معركة شرسة ضد الإسلاميين الذين تورطوا في الحرب الأهلية الجزائرية المروعة في التسعينيات، والتي راح ضحيتها 200 ألف شخص.
بوعلام صنصال يملك فهما عميقا للنظام الجزائري، حيث عمل مهندسا في القطاع الصناعي قبل أن يبدأ مسيرته الأدبية. هو ملمّ بتفاصيل هذه الديكتاتورية العسكرية وحيلها للاستيلاء على ثروات النفط والغاز.
ورغم شجاعته وإصراره على البقاء في وطنه، غادر صنصال الجزائر قبل بضعة أشهر وطلب الجنسية الفرنسية لأسباب خاصة به.
إقرأ أيضا : ردود أفعال واسعة في فرنسا بعد اعتقال بوعلام صنصال: إدانة الإفلاس التام للنظام الجزائري
حدث اعتقال صنصال في وقت انضم فيه الجنرال سعيد شنقريحة، وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش، إلى حكومة الرئيس تبون. بدأ الجنرال بتطهير المؤسسة العسكرية عبر إقالة الرجل الثاني فيها والاستحواذ على السلطة بأسلوبه الخاص.
معارضة النظام ليست جديدة. بوعلام صنصال وكمال داود، الحائز أيضا على جائزة غونكور، لم يتوقفا يوما عن انتقاد النظام الجزائري غير الشعبي.
لكن صنصال يدفع اليوم ثمن تصريحٍ ذكر فيه مؤخرا حقيقة تاريخية صادمة للنظام: « عندما استعمرت فرنسا الجزائر، كانت كل المنطقة الغربية من الجزائر جزءا من المغرب: تلمسان، وهران، وحتى معسكر. » هذه الحقيقة، التي لا تطاق بالنسبة للعسكر الجزائري، ليست الوحيدة. إذ يمكن إضافة أن مدينة تندوف كانت جزءا من المغرب حتى عام 1932، حين قرر أحد الضباط الفرنسيين ضمها إلى الأراضي الجزائرية (الفرنسية حينها) بعد اكتشاف مناجم الحديد فيها.
رفضت الجزائر المستقلة دائما إعادة تندوف إلى المغرب. وهذه التذكيرات التاريخية تؤلم الجنرالات الذين جعلوا من معارضة الوحدة الترابية للمغرب بخصوص صحرائه قضية محورية، تصل إلى حدّ التهديدات العدائية.
في عام واحد فقط، أنفقت الجزائر 25 مليار دولار على شراء الأسلحة، بينما أنفق المغرب نصف هذا المبلغ. وقد زادت حدة التوتر بعد اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمغربية الصحراء في 29 يوليوز 2024، ما أثار غضبا عارما لدى الجنرالات الجزائريين.
إقرأ أيضا : الجزائر: اعتقال الأديب بوعلام صنصال يكشف «فوبيا» النظام من الحقائق التاريخية
لم يسلم الفنانون من هذه السياسات العدائية. فالمغني الشهير الشاب خالد، الذي حصل على الجنسية المغربية عام 2013، أصبح هدفًا للنظام الجزائري. وقد اتُهم مؤخرا بـ« التجسس » لصالح المغرب، وهو اتهام وصفه الكثيرون بالهذيان.
كما طالت الملاحقة مغني الراب الجزائري لطفي دوبل كانون بسبب أغنيته « عمي تبون »، التي ينتقد فيها النظام الديكتاتوري. ومنذ نشر الأغنية في 11 نونبر الجاري، تجاوز عدد مشاهداتها على يوتيوب 4.2 مليون مشاهدة.
يمكن فهم اعتقال بوعلام صنصال في سياق نظام يزداد تشددا، يعلم جيدا أنه أصبح أكثر عزلة داخليا ودبلوماسيا. وقد تفاقمت كراهية النظام الجزائري لفرنسا بعد زيارة ماكرون للمغرب (28-30 أكتوبر الماضي) وتوقيع عشرين اتفاقية، منها ما يتعلق بالاستثمارات الفرنسية في الصحراء المغربية.
مهما كان الوضع، فإن على الرئيس ماكرون أن يبذل قصارى جهده لإطلاق سراح الكاتب والمواطن الفرنسي بوعلام صنصال.