تُقدّم هذه المحاضرة قيمة كبيرة بالنسبة للبحث التاريخي المغربي، إذْ تُبرز أهميته وقيمته بالنسبة للبلدان المغاربيّة الأخرى. خاصّة وأنّ المؤرخين المغاربة أمثال عبد الله العروي وعبد المجيد القدوري ومحمّد القبلي وعبد الأحد السبتي ومحمد حبيدة يتنزّلون مكانة كبيرة داخل البحث التاريخي، وعياً من الساحة الثقافية التونسية بأهمية البحث التاريخي المغربي وقيمته في الكشف عن العديد من المفاهيم والنظريات التي ما تزال تشغل البحث التاريخي بالعالم العربي. وإذا عُدنا إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي سنجد أنّ المؤرّخين المغاربة مؤثرين بمؤلفاتهم وأبحاثهم ويمتلكون من المعارف ما يغني البحث التاريخي. ويعتبر السبتي واحداً من المؤرخين الذين قدموا العديد من المؤلفات المشغولة بالتأريخ الاجتماعي، فهو لا يتعامل مع هذا التاريخ بطريقةٍ حكواتية وإنّما ينشغل على مستوى الكتابة بالحفر في النسق المعرفي الذي يؤسّس شرعية العمل التاريخي.
تساهم مثل هذه المحاضرات في تحقيق نوع من المثاقفة التلقائية بين البحث التاريخي في المغرب وتونس، إذْ تسعى إلى تمتين الروابط بين البلدين وفهم حدود التقاطع والتلاقي التي تجمع بين المغرب وتونس. فالمغرب حاضرٌ بشكل دائم في تونس من خلال ثقافته وتاريخه وعلى مدار سنوات لعب العديد من المثقفين المغاربة دوراً في تنشيط الساحة التونسية والعكس أيضاً. أما في المجال التاريخي، فيحتفظ المغاربة بصورة مميزة عن المؤرّخ التونسي الكبير هشام جعيط الذي ساهم في مساره الأكاديمي على تجديد مهنة المؤرّخ وجعلها تنفتح على مختلف المشارب والتوجهات سيما فيما يتعلق بالتاريخ العربي الإسلامي.