عرفت السينما المغربيّة في السنوات الأخيرة نهضة قويّة، جعلتها تدخل غمار التجريب البصريّ القائم على تنويع المحكي وتغيير المسرود وإعادة التفكير في مُختلف أنماط الصُوَر السينمائية التي تتعامل مع المَشاهد الإيروتيكية، بوصفها مَشاهد عادية مُستلّة من الواقع الإنساني. ورغم ادّعاء هذه السينما تحقيق نوعٍ من الحداثة البصرية على مُستوى الكتابة والتخييل، فإنّ المُشاهد لعددٍ من الأعمال التشكيليّة والصُوَر الفوتوغرافية والأفلام السينمائية يُسجّل تعاملاً حذراً في طرق موضوع الجسد الإيروتيكي وجعله يأخذ صبغة جماليّة تُخرجه من جانبه البيولوجي المُتعلّق باللذّة والرغبة، صوب شعور يُحرّر المرء من ذاته وواقعه.
وإذا كان الجسد قد حظي بمنزلةٍ هامّة داخل الشعر والقصّة والرواية وتفاعل معه القراء وفق مُستوياتٍ مُختلفةٍ من التباين والمعالجة، فإنّ حضوره داخل الوسائط البصريّة الأخرى يبقى هزيلاً ولا يُضمر في طيّاته، إلاّ عسراً في فهم الجسد ووظيفته ودلالته داخل الصورة الفنّية. بل إنّ هذا المفهوم غدا شرطاً تحديثياً لكلّ صورةٍ، بحكم المنزلة التي أصبح يتنزّلها داخل الزمن المعاصر، حيث أصبح يتّخذ العديد من الصور ويتم توظيفه خارج سياقه الذاتي من خلال أبعادٍ سياسية واجتماعية.
وإلى جانب هذا التهميش الذي يطال الجسد داخل الفنون البصريّة، تلعب الدراسات النقديّة دوراً سيئاً في تغريب هذا المفهوم وجعله يعيش غربة مزدوجة. فأغلب الدراسات الثقافية المغربيّة تنشغل بقضايا لا علاقة لها بالراهن. فتكون الكتابة عبارة عن إعادة إنتاج لما قيل، إنْ لم يكُن إعادة تدويره في حلّة جديدة. أمّا قضايا الجسد والصورة فتظلّ مُهمّشة ومنسيّة داخل هذه الدراسات التي لا تُساير موضوع الجسد، ولا تعرف حتّى ملامحه وميكانيزماته داخل الصورة الفنّية. وهذا الأمر، جعل من المُشاهد لا يُميّز بين الجسد الواقعي ونظيره المتخيّل. إذْ يتعاملون مع الجسد، باعتباره واقعاً حتّى لوكان داخل صورة سينمائية.
فالنموذج الأوّل يتعامل معه كـ "طابو" لا ينبغي الخوض فيه أو تحليله داخل الصورة. فيتدرّعون بمختلف العادات والتقاليد التي يجعلونها تقف حاجزاً أمام عتبة اختراق المفهوم، وهو نفس الرأي الذي يستند عليه المُشاهد في عدم قبوله للجسد داخل الشاشة المغربيّة، مُستحضراً البعد الديني والأسرة والتنشئة. أمّا السبب الثاني، فيكمن في صعوبة تناول الجسد وتشريحه فكرياً على ضوء مفاهيم ونظريات. فأغلب الدراسات النقديّة تجنح صوب الكتابة الروائية وتظلّ سادرة في عملية إنتاج التقليد والتكرار، لكنّها لا تشغل نفسها في طرق الجسد وفهم أسباب غيابه داخل المتون البصريّة.