ورغم المكانة المميّزة التي احتلّها الممثل الكوميدي عبد الرحيم التونسي داخل الأوساط الفنّية المغربيّة، لم يحظَ الرجل بأهمية بالغةٍ كما يستحقّ، إذْ ظلّ مروره عابراً داخل عددٍ من الأفلام المغربيّة إلى جانب عبد الجبار لوزير محمد الجم وغيرهم من الفنانين الذين لم ينصفهم التلفزيون والسينما، رغم ما يمتلكونه من موهبةٍ على مُستوى الأداء، كان بالإمكان استغلالها وتوجيهها صوب مشروع فنّي أكثر تجذّراً في بيئته. حين نصادف اليوم ممثلاً كوميدياً شاباً مهما بلغ من شأن داخل مسرحيات أو أفلام أو برامج اكتشاف النجوم، فإنّه غالباً ما يكون نسخة مُصغّر عن تجربة أخرى. حيث يتعمّد بعض الفنّانين على تقليد نماذج عربيّة وغربيّة اعتاد المرء مُشاهدتها داخل الشاشة الكبيرة.
وهذا مطبّ الكثير من التجارب الكوميدية المغربيّة التي لا تعمل سوى على إنتاج الاجترار، فالمُشاهد لا يعثر على أسلوبٍ كومديّ معيّن، كما هو الحال مع حسن الفذ أو عبد الرؤوف، حيث يغدو فنّ الأداء عبارة عن مدخل حقيقي لفهم الطبيعة الإنسانية بكلّ سُلطتها وتناقضاتها ومواقفها الكوميدية الساخرة. فما يُطالعنا من مواقف هزلية وسكيتشات، لا يُمكن أنْ تدخل في نطاق الكوميديا كما تبلورت كمفهوم داخل التراث الفنّي الغربيّ، إلاّ هذه التجارب غالباً ما تدخل في نوعٍ من التهريش الذي لا يُفيد في أيّ شيءٍ، ناهيك عن استخدام عبارات الشارع التي لا يتوفّق الفنّان في طرحها أو إيجاد معادلة بصريّة ناجحةٍ لها.
فهذا النوع من الكوميديا هو الذي نُسمّيه بـ "الأثر" الذي يترك جرحاً جميلاً في ذاكرة الناس ووجدانهم، ويجعلهم يذهبون إلى المسارح وصالات السينما رفقة عائلاتهم ايماناً منهم بقيمة الفنّ في تجميل الحياة اليوميّة الرتيبة. لم يستفد عبد الرؤوف أيّ شيء من الفنّ، إذْ يحكي أنّه في سنةٍ واحدة عام 1971 أنجز حوالي 167 جولةٍ فنّية كوميدية داخل عددٍ من المدن المغربيّة تكبّد عناء مصاريف الجولة من جيبه دون أيّ دعمٍ، في وقتٍ لم يمنح له حتّى رخصة الأداء والتنقّل داخل الجهات.
وبهذه الطريقة ظلّ الرجل يدور في القرى والمدن مُقدّماً عروضه الفنّية للناس على اختلاف أجيالهم ومشاربهم وحساسياتهم. ورغم المحتوى البسيط لعبد الرؤوف، فإنّ المُشاهد لعروضه الكوميدية يستحيل ألاّ يضحك أو لا ينبهر بقوّته في تجسيد شخصياتٍ من الواقع المغربيّ. بل إنّ تلك "البحّة" النادرة في صورته تزيد الحوار جمالاً وتألّقاً وتجعل الناس تتآلف حول عروضه الفنّية، وهو ينقل لنا مجموعة حكاياتٍ مُستلّة من الواقع وأوجاعه بنفسٍ كوميديّ ساخر.
على هذا الأساس، يُعتبر عبد الرؤوف أباً روحياً للكوميديا في المغرب وعموداً من الأعمدة التي ينبني ويُشيّد عليها الفعل الفنّي، لا لكونه ينتمي إلى مرحلة تاريخيّة كان فيها الفنّ صعباً، وإنّما بما استطاع خلقه من أسلوبٍ كوميديّ بسيط وهادف، لا يعتمد على الإكليشيه الذي يُحوّل الممثل إلى بهلوان، بل يظلّ عبد الرؤوف مُحافظاً على بساطته وأصالته في التعبير عن الكثير من الحالات التي تطال الناس في يومياتهم. ففي أوروبا يستحيل أنْ يعثر المرء على ممثلٍ في حجم عبد الرؤوف يضطر في سنواته الأخيرة من الاجتهاد في العمل من أجل العيش وتحقيق شروط العيش العادية رفقة عائلته وأصدقاءه. لن تنسى الذاكرة المغربيّة ممثلاً مثل عبد الرؤوف، إلاّ أنّ سكيتشاته ما تزال إلى حدود اليوم تُسمع وتُضحك وتخلق البهجة في أجساد الناس.