هذا وتجدر الإشارة بأنّ عبد الأحد السبتي، يُعدّ من أهم المؤرّخين المغاربة الذين راكموا متناً معرفياً أصيلاً في التاريخ الاجتماعي والثقافي للمغرب. لهذا يُعتبر السبتي أشهر الباحثين في تاريخ المغرب، لما غدت تنطوي عليه أبحاثه في هذا الصدد لكونها تُمثّل أوراشاً معرفية هامّة تستطيع فتح منافذ قويّة للبحث التاريخي المغربيّ وتُخرجه من طابع التقليد والتكرار. سيما وأن مؤلّفاته تتميّز بخليطٍ معرفي مُذهل يمزج التاريخ بالأنثروبولوجيا لدرجةٍ ينفي معهما كلّ الحواجز الوهمية التي وضعتها المدرسة المنهحية أو الوضعية مع كلّ من لانغوا وسينيوبوس، من خلال اختراق مفهوم الوثيقة التاريخيّة وجعلها مفتوحة على تحوّلات المعرفة المعاصرة.
والحقيقة أنّه لم يكُن من المُمكن توسيع مفهوم الوثيقة لولا انفتاح التاريخ على العلوم الأخرى، بما يجعل الكتابة تتجدّد من تلقاء نفسها وترسم لها خطاً مغايراً يحفر في الأرشيفات وتُعيد عبرها عملية البحث عن موضوعات جديدة، كما هو الحال في كتابات عبد الأحد السبتي مع الشاي والأتاي والزطّاط والنفوذ والمدينة والذاكرة والرواية الشفوية وغيرها.
ويأتي اللقاء مع عبد الأحد السبتي كقراءة في كتابه الجديد الصادر حديثاً عن منشورات المتوسّط بميلانو، ضمن البرنامج الثقافي الخاصّ للمؤسّسة بـ "كتاب ومؤلف". وما يُعطي للقاء أهمية ونوعية أنّ اللقاء سيُشرف على تقديمه كلّ من الباحث لطفي بوشنتوف والأنثروبولوجي حسن رشيق، باعتبارهما أهمّ الباحثين والأكاديميين المغاربة الذين قدموا نصوصا هامّة داخل المَشهد الثقافي المغربي. ونفس الأمر أيضاَ ينطبق على عبد الأحد السبتي صاحب "من الشاي إلى الأتاي: العادة والتاريخ" و"النفوذ وصراعاته في مجتمع فاس: من القرن السابع عشر إلى بداية القرن العشرين" و"بين الزطاط وقاطع الطريق: أمن الطرق في مغرب ما قبل الاستعمار".
يقول المؤلف عن الكتاب "لقد انتابنا، عند الانتهاء من تأليف فصول هذا الكتاب، شعور قوي بأننا غامرنا بالتنقيب في أحداث تنتمي إلى حِقَب ومجالات متعدِّدة، واضطُررنا للعودة إلى بعض الأحداث والشخصيات أكثر من مرَّة، إلى درجة أن كلَّ فصل من الكتاب قد يشكِّل في حَدِّ ذاته نُواة لكتاب مستقلٍّ. ثمَّ لاحظنا أننا ظللنا ننسُج مَحكِيَّات لا تنتهي. مَحكِيَّات مختلفة حول الحَدَث نفسه، ومَحْكِيَّات تتَّصل بعدد من التمثُّلات والمعتقدات، ومَحْكِيَّات صُغْنا بها قراءتنا التي تحاول تفكيك البنية الداخلية للتمثُّلات، أو تحاول رَبْطها بسياقاتها التاريخية المتعدِّدة. لعلَّ ما أنقذنا من منزلق ضياع البُوْصَلَة داخل متاهة المَحْكِيَّات، هو أننا خرجنا ببعض الخلاصات المؤقَّتة حول القضايا الثلاث التي انطلقنا منها، وهي الذاكرة والحَدَث والزمن ".