رغم المكانة التي باتت تحتلّها دنيا بطمة داخل الأوساط الغنائية، باعتبارها من وجوه الأغنية الشبابية المغربيّة، ممّن استطاعوا في السنوات الأخيرة التأثير على الأوساط الشعبيّة واستغلالهم لوسائل التواصل الاجتماعي في تسويق أعمالهم الفنّية أو حتّى استخدام الموسيقى الإلكترونية داخل بعض الأغاني، كما هو الحال لعشرات الفنّانين الذين يخفون أصواتهم وراء هذا النمط الموسيقي الإلكتروني، فإنّ أغانيها تبقى هشّة وذات نفسٍ ترفيهي استهلاكي، كما هو الشأن مع عددٍ من المغنيين. فأعمالها الغنائية متصدّعة وتفتقر إلى أيّ أثرٍ جمالي يُذكر، لكونها مجرّد مرآة تعكس مظاهر وتحوّلات الغناء الخليجي. مقارنة بأسماء أخرى استطاعت خلق جدل فنّي بأغانيها، لا بحواراتها ومشاكلها الشخصية. وقد يستغرب المرء حجم التأثير الذي باتت تتركه الفنانة على وسائل التواصل الاجتماعي، أمام تراجع أغانيها وظهور كوكبة من الوجوه الشابّة التي باتت تحتلّ مكانة مُميّزة داخل المهرجانات المغاربيّة.
لكنْ ما يصلنا منذ أيام عن دنيا بطمة، هو مجرّد مشاكل خاصّة بحياتها ذات علاقة بزوجها محمّد الترك. مشاكل وأعطاب وتصدّعات لا علاقة للمغاربة بها. وبالتالي، كيف نُفسّر خروج فنّانة على وسائل التواصل الاجتماعي للحديث عن مشاكلها الشخصية، لا على مُستوى عذابات الأغنية وآلام العثور على إيقاعٍ موسيقيّ مُختلف لها، بقدر ما باتت تتعمّد في كلّ لحظة الخروج على هذه الوسائط من أجل إتمام حكايتها العائلية وإضفاء بعض التشويق الغرامي على خطوطها السرديّة. حتّى بات المغاربة ينتظرون خرجاتها من أجل معرفة المزيد من التفاصيل الخاصّة بحياتها الشخصية.
ففي الوقت الذي كانت في الجزائر تشهده قمّتها العربيّة، التي سرعان ما أكد خبراء عرب مدى فشلها وعدم قُدرتها على التأثير في الراهن السياسيّ العربيّ، كان كلّ الإعلام بالعالم العربي، بمختلف أشكاله وألوانه من جرائد ومجّلات ومواقع مُهتمّاً بشكلٍ هستيري بأخبار دنيا بطمة وفيديوهاتها. هكذا بدت أخبار دنيا بطمة أهمّ من انعقاد قمّة عربيّة، بدأت بوادر الفشل تُلوّح في الإعلام قبل بداية انعقادها، بسبب هشاشة التمثيل الرئاسي داخلها وعدم قُدرة الجزائر في جعل القمّة العربيّة، رغم أنّها اختارت اندلاع حرب التحرير الجزائرية (1954) كحدثٍ هامّ في التاريخ الجزائري المعاصر، إلاّ أنّ ذلك، لم يكُن عاملاً في تطلّع الناس بالعالم العربي إلى حيثيات القمّة وأخبارها وصُوَرها.
لم يستطع التاريخ التأثير في خصوصية القمّة صناعتها راهنا، في وقتٍ لك يحضر فيع عدد من رؤساء الدول، ما جعل الجزائر تبدو في وضعٍ مُربكٍ بالنسبة للصحافة العربيّة، هذا الأمر، جعل الناس لا ينتبهون حتّى لتاريخ القمّة فبالأحرى نتائجها الدبلوماسية ومدى فعالية موقعها السياسي داخل المنطقة العربيّة. لكنْ في مقابل ذلك، تتبّع العالم العربي بوضوح فيديوهات دنيا بطمة وكأنّها مَشاهد سينمائية نادرة. ففي كلّ مرّة تخرج بفيديو صادم، فيضطر زوجها للخروج هو أيضاً في فيديو مباشر للردّ عليها وتفنيد آراءها في أمور تتعلّق بالخيانة وغيرها.
لا تهمّنا دنيا بطمة، إلاّ باعتبارها شغلت الإعلام العربي وحقّقت نسب مشاهدات عالية لحظة الفيديو المباشرة، في وقتٍ لم يتابع فيه الناس القمّة وكأنّهم استشعروا فشلها منذ البداية، فبدت القمّة في تصدّعاتها تُشبه حكاية بطمة غير المُقنعة بالنسبة لزوجها. لم يعُد أحد اليوم مُهتمّاً بالقمم العربيّة ولا بأجنداتها السياسية واتحادات العرب وكلّ ما يخرج من إصلاحاتٍ فاشلة لم تخرج البلدان العربيّة إلى حدود الآن من مشاكلها السياسية وعطب اقتصاداتها وفقرها وبطالتها. فقد شعر الناس أنّ هواجس التغيير تأتي من الفرد داخل مجتمعه وأنّ الجهات الأجنبية ليست "سوبرمان" قادر على حل مشاكلنا وأوضاعنا والخروج بنا ممّا نعيشه من أهوال وتخلّف وركود. فكلّ شخص في الزمن المعاصر أصبح يعيش أسطورته اليوميّة، انطلاقاً من شاشة الهاتف، كما هو الحال مع دنيا بطمة التي استطاعت من خلال شاشة الهاتف جذب أكبر عددٍ من الناس لاستكمال لمعرفة أسرار حياتها الشخصية، في وقتٍ لم يستطيعوا فيه إنجاح قمّة عربيّة.
مرحبا بكم في فضاء التعليق
نريد مساحة للنقاش والتبادل والحوار. من أجل تحسين جودة التبادلات بموجب مقالاتنا، بالإضافة إلى تجربة مساهمتك، ندعوك لمراجعة قواعد الاستخدام الخاصة بنا.
اقرأ ميثاقنا