أشرف الحساني يكتب: أحمد بوشرب.. حفريات في سجّلات محاكم التفتيش (2/2)

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي . DR

في 05/11/2022 على الساعة 22:00

الحقيقة أن نزوع المؤرخ أحمد بوشرب للتفكير في العصر الحديث، لم تمليه فقد دوافع أكاديمية قادته إلى إنجاز أطروحة الدكتوراه، ولكن بسبب حبّ وعشق لهذا العصر، الذي لعب دورا طلائعيا في المغرب الحديث، سيما فيما يتعلّق بهذا المبحث التاريخي الشائك المتعلّق بالوجود البرتغالي.

هذا ومن الأسباب التي تجعل الباحثين في التاريخ يمتعضون أو ينفضّون عن دراسة هذه الحقبة التاريخيّة، يكمن في صعوبة المعرفة المتقنة باللغتين البرتغالية والإسبانية ومعرفة كيفية الوصول إلى الوثائق الرسمية داخل مؤسّسات غربية ومحاولة سبر أغوارها واستنطاقها وإعمال العقل في تحليلها وتتبع بدقّة مسار الشخصيات الهامشية، التي صنعت جسد المقاومة المغربيّة تجاه الغزو البرتغالي، ما يجعل مهمة الباحث المعاصر صعبة في قراءة المخطوطات والمراجع الأصلية وسجلات المحاكم وغيرها لإضاءة بعض من معالمه التاريخية.

ونظراً لتمكن الدكتور أحمد بوشرب من اللغتين الإسبانية والبرتغالية، ساعداه على البحث والتنقيب في الأرشيف البرتغالي فيما يتصل به من وثائق تسعفه لفهم تاريخ المغرب الحديث خلال النصف الأول من القرن السادس عشر وفهم طبيعة العلاقة التي انتسجت بين المغاربة والبرتغاليين، كما تبلورت معالم هذا الغزو لدى المؤرخ المغربي أحمد بوشرب، وقفزته النوعية في البحث التاريخي المغربي بدراسة وازنة هي في أساسها دكتوراه دولة نوقشت بفرنسا وصدرت سنة 1996 ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، يتعلق الأمر بكتاب "مغاربة في البرتغال خلال القرن السادس عشر : دراسة في الذهنيات بالمغرب من خلال محاضر محاكم التفتيش الدينية البرتغالية".

خاصّة وأنّ البحث العلمي التاريخي المغربي، لم يعرها أي اهتمام يذكر، بسبب ترسانتها البحثية وقوة موضوعها ونباهة مقاربتها ودقة منهجيتها واعتمادها على سجلات محاكم التفتيش البرتغالية، وما رافق ذلك من تصدع في الهوية المغربية، فقد تمّ إنشاء نظام الفدية يقوم على تبادل الأسرى بين المغاربة والبرتغال، وما تسبب فيه من أزمة ضمير لدى المغاربة، الذين تم ترحيلهم إلى البرتغال مع عائلاتهم.

تاريخياً يقع الكتاب في النصف الأول من القرن السادس عشر، ومن المعلوم أنّ هذه المرحلة التاريخيّة شهدت تصدّعاً كبيراُ في حكم الوطاسيين، فالتفكّك والضعف والوهن، الذي طبع فترة حكمهما، ما جعل الدولة المغربيّة تفقد صورتها ومركزها "الديبلوماسي" كقوّة سياسية تُجابه الاحتلال وتواجه مختلف التنميطات، التي تلقتها طيلة قرون من لدن العالم المسيحي.

إنّ هزالة الحكم الوطاسي، ساهمت ضمنياً في الغزو البرتغالي، لا لضعف إدارتها أو علاقاتها الخارجية، ولكن بسبب عدم قدرتها على خلق حكم سياسي قادر على التحكّم في بلاد المغرب الأقصى، إذْ أنّ البُعد القبلي الذي ساهم مع كل من الدولة المرابطية والموحدية والمرينية الأساس في قيامهم سياسياً في إطار ما سُميَ تاريخيا بـ "مرحلة الدعوة، سيُشكّل عامل تفكّك بالنسبة للوطاسيين، لأنّهم عانوا من هذا التشرذم القبلي والتجزؤ الوجودي بين عدة قبائل وإمارات تتناحر فيها بينا للفوز بمقاليد السلطة. وكأنّ الدولة الوطاسية لا توجد على رأس البلد، بحيث أنّ عدم قدرة الدولة المركزية على جمع شتاتهم داخل المغرب، رغم محاولات دائمة منها لفرض العديد من الضرائب على سكانها وضعف مقاومتها للغزو الإيبيري ضمنياً غذى الشعور المجتمعي بأنّ المغرب في حاجة ماسّة إلى السعديين.

كل هذا السياق التاريخي الهام، وما شهدته منطقة الغرب الإسلامي من تحوّلات سياسية واجتماعية، ظلّت غائبة في دراسة أحمد بوشرب على مستوى بسط الأسباب، التي عجّلت بالتدخل الإيبري (الإسباني والبرتغالي) لغزو السواحل المغربية ابتداء من احتلال 10 ثغور مغربيّة على مدار قرن من الزمن، فالأهم في نظر بوشرب ليس التاريخ فقط وكرونولوجيته وسرده الرتيب، ولكن كمحاولة لدراسة أفكار ومواقف، كانت بمثابة نتائج وخيمة على الفرد المغربي بالبرتغال، يقول بوشرب في مقدّمة الكتاب"نطمح من خلال هذه الدراسة إلى تحديد نتائج الغزو المذكور على الثقافات والذهنيات والعقيدة بالمغرب، وذلك بتتبع إقامة عدد كبير من المغاربة في البرتغال خلال النصف الأول من القرن السادس عشر، وتحديد نوعية العلاقات التي ربطتهم بالمجتمع البرتغالي، وموقفهم من ذلك البلد وسكانه وقيمهم ومعتقداتهم".

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 05/11/2022 على الساعة 22:00