أشرف الحساني يكتب: أحمد بوشرب.. حفريات في سجلات محاكم التفتيش (1/2)

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي

أشرف الحساني ـ ناقد فنّي . DR

في 05/11/2022 على الساعة 21:52

يعد أحمد بوشرب أحد أهم المؤرخين المغاربة، الذين اعتنوا بتاريخ المغرب الحديث وخصوه بدراسات تاريخية وازنة، خاصة بما له علاقة بالوجود البرتغالي على السواحل المغربية إبان القرن السادس عشر.

إنّ كتاباته في هذا الشأن بوأته مكانة هامة داخل الكتابة التاريخيّة المغربية، التي اعتنت بتوثيق حقبة مركزية من تاريخ المغرب الحديث، يتعلق الأمر بفترة وُسمت داخل الأدبيات التاريخية بالتواجد الإيبيري على سواحل بلاد المغرب الأقصى. وهي مرحلة رغم الاجتهادات، التي قدمها أحمد بوشرب، مازالت تحتاج إلى عدة ترجمات لوثائق وقرارات ودراسات متأنية، تتجاوز مختلف أشكال التاريخ الكرونولوجي المسيطر على الحقبة الحديثة، فضاء كتابة جديد يلتقي فيه السرد والوصف بتاريخ الذهنيات.

خاصة وأن أغلب المصادر المغربية المتعلقة بهذه الفترة تتكون من كتب الحوليات والتراجم، وكتب المناقب والكرامات والنوازل ثم بعض المصلحين، إذ رغم أنها تبدو غائبة داخل أبواب دراسات بوشرب، فإنها تحضر بطريقة خفية على مستوى رصد الجوانب الشعبية من الغزو الإيبيري، لأنها في نظر بوشرب "تسهم بشكل مباشر في فهم كثير من جوانب الثقافة التي جاء أولئك المغاربة، الذين كان جلهم من الرحل الأميين، مشبعين بها إلى البرتغال".

وعلى الرغم من ذلك، ثمّة نوع من النفور والغموض يكتنف موضوع الوجود الإيبيري على السواحل المغربية، من لدن الباحثين المغاربة وغياب أوجه الدقة في البحث عن الأسباب الحقيقية، التي أدت إلى غزو السواحل المغربية وفهم ميكانيزمات الضعف الديبلوماسي، الذي ألمّ بالسلطة المركزية وطرق تسييرها في عهد الدولة المرينية ولا حتى الوطاسيين، الذين وجدوا أنفسهم مكرهين على إجبار القبائل على دفع الضرائب، كما ذهبت إلى ذلك بعض المراجع، الأمر الذي تسبب في دحض صورة المغرب في مخيلّة العالم الغربي، تلك التي فرضتها طيلة قرون بعض دول تعاقبت على حكم بلاد المغرب الأقصى كالمرابطون والموحدون، الذين وجدت البلاد نفسها في عهدهم في أوج الحضارة المغربية داخل منطقة الغرب الإسلامي.

من جهة أخرى، تبرز قيمة وأهمية هذه المرحلة في تغيير مسار الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية داخل المغرب الحديث، بحكم أن الاحتلال البرتغالي للسواحل المغربية دام حوالي قرن من الزمن، بدأ باحتلال سبتة عام 1415 وانتهى بسقوط حامية المعمورة سنة 1515. ونظراً إلى الهشاشة التي شهدها البلد سياسياً أدت إلى نوع من التفكك الاجتماعي، الذي ساهم لاحقاً في ظهور الزوايا، لا باعتبارها مراكز دينية خاصة بحلقات الذكر والتعبّد ورباطاً للفقهاء ولكن بوصفها قوى سياسية تحث الناس على الجهاد منذ مطلع حكم الدولة السعدية.

فقد أصبح الصراع كما تنقله لنا بعض الوثائق وكأنّه صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين، وهو ما توقف عنده أحمد بوشرب بالتفصيل في دراساته حول مسألة التنصير والوضعية الدينية المرتبكة، الذي وجد المغربي نفسه عليه بعد ترحيله لوحده أو رفقة عائلته كعبيد صوب البرتغال.

إن أحمد بوشرب، وهو يقتفي سيرة البرتغاليين في المغرب وخلق نوع من الطباق البصري مع المغاربة الدين يعيشون كعبيد داخل بعض المدن البرتغالية، يكون قد قطع شوطا طويلاً بالكتابة التاريخية في المغرب وجعلها تغوص في أسئلة وقضايا لا مفكر فيها، بعيدا عن المقاومة المسلحة والحركة الوطنية والمطالبة بالاستقلال وغيرها من الموضوعات المعاصرة، التي أرهقت البحث التاريخي، فأضحى معها مجرد كتابة تقوم على التكرار وتدوير الأفكار وتفريخ البحوث الجامعية، بحكم الكم الهائل من المصادر والمراجع والدراسات والتسجيلات والشهادات الشفهية فيما يتصل بالحقبة المعاصرة. فدراسته لا تتخد فقط من التاريخ مساراً لها ولكن جعل الكتابة التاريخية تتسم بطابع التجديد، وذاك من خلال جعلها مختبرا لدراسة الأفكار والذهنيات ومختلف صور الآخر والغيرية، التي ظلت مهمّشة داخل التاريخ الاجتماعي في المغرب الحديث.

تبدأ كرونولوجية الكتاب مع بداية احتلال سبتة 1415 من خلال بابه الأول الذي خصصه أحمد بوشرب لدراسة الأسباب الخفية والمعلنة لتكون الجالية المغربية، والتي قادتهم إلى الاستقرار في البرتغال على شكل مرحلتين وإبراز خصوصية مشكل الموريسكي داخل المحتمع البرتغالي ومدى اختلافه عن نظيره باسبانيا. كما تناول فيه الباحث النتائج السوسيو ثقافية للغزو البرتغالي من خلال دراسة العوامل، التي كونت الثقافة والعقليات وموجات الخوف الكبرى من الإنسان والطبيعة والحيوانات، هذا فضلا عن إبراز أزمة الضمير المغربي وما رافقه من شعور بالذنب والردة وقرب الساعة.

كما رصد فيه بوشرب أوضاع البرتغال من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والدينية كدراسة الموارد وأعداد السكان والإنتاج الزراعي وعجزه، فضلا عن أزمة الدين إبان القرن السادس عشر وانعكاسه على تزايد العنصرية والعداء للآخر.

أما الباب الثاني، فقد خصّه لموقف المغاربة من البرتغاليين على مستوى العيش والأسرة والحرف وأشكال التعايش المستحيل بينهم، والتي أدت في نهاية الأمر إلى ازدراء الشخصية الثقافية المغربية ومحاولة الفرار أو الانتحار. ثم إبراز موقف المغاربة من المسيحية والإسلام وطبيعة الردة وغاياتها وأشكال صور الإسلام داخل محاكم التفتيش، التي سيجعل منها أحمد بوشرب المصدر الأثير لكتابه والعمود الرئيس لبابه الثالث حول موقف المغاربة من مجاكم التفتيش وظروفها المخيفة وسياق إحداثها وأسبابها من لدن يوحنا الثالث وصراعاته الدائمة مع البابوية حول هذه المحاكم، هذا فضلا عن نظرة المغاربة لها إبان القرن السادس عشر ومراحل محاكماتهم وأطوارها.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 05/11/2022 على الساعة 21:52