زوم على المغرب: المؤرّخ والسفير الدبلوماسي اللبناني خالد زيادة يكشف لـle360 مميزات المملكة

المؤرّخ والسفير الدبلوماسي اللبناني خالد زيادة

المؤرّخ والسفير الدبلوماسي اللبناني خالد زيادة . DR

في 19/07/2022 على الساعة 16:00

على مدار سنواتٍ طويلة، شكّل المغرب بعُمقه التاريخي وتنوّعه الثقافي وزخمه الفنّي، محطّة سياحية للعديد من الكتاب والشعراء والفنّانين والفوتوغرافيين والمخرجين، الذين زاروا المغرب وتمتّعوا بخيراته وعاينوا ذاكرته وجماله، من خلال عددٍ من المُدن التاريخيّة، التي أقاموا فيها.

في هذه الزاوية الأسبوعية الجديدة، يلتقي le360، بجملة من كبار الكتاب والشعراء والفنّانين والمخرجين من العالم العربيّ، ممن أُتيحت لهم الفرصة لزيارة للقراءة عن المغرب أو الإقامة فيه أو حتّى المرور عبره إلى أمكنةٍ أخرى، من أجل تقديم صورة جماليّة بانورامية خارجية عن البلد وعُمق عاداته وروعة تقاليده وحداثة ثقافته وجماليّات فنونه وما مارسه منذ سبعينيات القرن الـ 20 من سحرٍ على تفكيرهم وأجسادهم ومُتخيّلهم وجعلهم يحلمون ويتطلّعون أكثر إلى الالتحام بالواقع المغربيّ وتاريخه من أجل التفكير والكتابة والإبداع والابتكار.

إنّ الزاوية ليست مجرّد سفرٍ في الأمكنة والفضاءات والجغرافيا عموماً، وإنّما سفرٌ عميقٌ في سراديب الجسد وأحراش الذاكرة. سفرٌ ضاربٌ في عمق الثقافة والفنّ ودهشة السؤال. هنا يتحرّر العقل من صرامته الوجودية القهرية ويُطلق الجسد العنان أكثر لمُتخيّله ومشاعره وأحاسيسه في التعرّف على ثقافة الآخر وفنونه، حتّى يتمرّدان على صبغة العقل المنطقية ويُقدّمان معاً صورة ثقافيّة نوسطالجية عن أواصر الصداقة والحب التي انتسجت منذ منتصف القرن الـ 20 بين المغرب والمشرق.

الحلقة الـ 10 من هذه الزاوية الأسبوعية، مع المؤرّخ والسفير الدبلوماسي اللبناني خالد زيادة، وهو من رعيل المثقّفين الموسوعيين الذين نتلمّس اليوم نذرتهم وغيابهم داخل الثقافة العربيّة المعاصرة. وإذا كان زيادة قد عُيّن سفيراً للبنان في القاهرة، فإنّ ذلك لم ينزع عنه شغفه الكبير في البحث والمعرفة، بحكم ما راكمه من مؤلّفاتٍ فكريّة رصينةٍ، تتعلّق بالشرط الحداثي واستنباته داخل البيئة العربيّة في مجالاتٍ تتعلّق بالسياسة والاجتماع والفنّ. وتتميّز كتابات زيادة بالعُمق، سيما وأنّ الشرط التاريخيّ، يظلّ يحكم رؤيته على المُستوى المنهج ويرخي بظلاله على كافّة مؤلّفاته، ويجعلها ذات نفسٍ حفري، لا تهتم بالأحداث السياسيّة والاجتماعية وما يدور في فلكها، بقدر ما تُطارد الأفكار والعلامات والسياقات وملامح الحداثة والتحديث في سيرة العلاقة بين الغرب والشرق.

بداية، ما الأسباب الوجدانية والمعرفية التي ساهمت في سيرة وتشكيل وتعليم وسفركم صوب المغرب؟

عرفنا المغرب في صغرنا من خلال أخبار الإذاعة التي كانت تنقل بين الحين والآخر أخبار السياسة، كما عرفناه من خلال الكتب المدرسية التي كشفت لنا بعض أسماء أعلام التراث العربي الأدبي والفلسفي، وخلال دراستي الجامعية تعرفت إلى ابن باجة وابن رشد وابن خلدون بصفته ابن هذا المغرب الكبير. من جهتي الشخصية قمت وكنت لا أزال طالبًا جامعيًا بدراسة عن ثورة الريف وعبد الكريم الخطابي، وتعرفت بذلك على بعض تاريخ المغرب الحديث. وفي مرحلة دراستي للعلاقات الإسلامية- الأوروبية. اطلعت على حقبة مولاي إسماعيل ورحلات المغاربة إلى أوروبا.

تعرفت أيضًا إلى الموسيقى المغربية الحديثة والتقليدية مع "ناس الغيوان" و "الحاجة الحمداوية" كل ذلك جعلني اعتبر نفسي أنني أكثر معرفة بالمغرب من أقراني.

شكّل المغرب حلقة خاصة ضمن مسار تحديث الثقافة العربية المعاصرة.. كيف ترون وتقيّمون أواصر السؤال والصداقة والفكر في المشرق العربي؟

برزت الثقافة العربية الحديثة (في القرن التاسع عشر والعشرين) في مصر ولبنان بشكل خاص. وقد تأثر المغرب بما كان يصدر وينشر في المشرق. وخصوصًا أعمال محمد عبده وسلامة موسى وطه حسين وغيرهم. ويعود ذلك لأسباب تاريخية، فلطالما كان المغرب يتطلع إلى المشرق لأسباب دينية وفكرية وثقافية.

لكن ومنذ سبعينات القرن الماضي (العشرين) حدث تطور هام إذ إن أسماء مفكرين وكتّاب بدأت تؤثر في البيئة الثقافية في المشرق، وقد تولت بيروت كعاصمة للنشر، طبع وتوزيع أعمال أسماء بارزة مثل: عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري، وعلي أومليل وغيرهم. والواقع أن تأثير هؤلاء وكذلك آخرين مثل عبد الفتاح كليطو كان ملحوظًا. والواقع أن هؤلاء المفكرين والباحثين أضافوا أبعادًا جديدة للثقافة العربية وما زالوا يمدونها بروح نقدية عميقة.

هل شعرتم يومًا بأن الثقافة المغربية تعد امتدادًا عميقًا لباقي الثقافات الأخرى المنتجة بالعالم العربي؟

لا أظن أن ثمة قطيعة بين المشرق والمغرب، لا في الماضي ولا في الحاضر. ولكن هناك مؤثرات مختلفة. فالبيئة الجامعية المغربية متأثرة بالمنهجيات الفرنسية في الوقت الراهن، وأثر فوكو ودريدا، وغيرهما بارز في الكثير من الأعمال التي تنتج في المغرب، وهذا يعني أن مؤثرات مختلفة تتلقاها الثقافة العربية وهذا مصدر غنى وتنوع.

ما مدى تأثير الإنتاج المغربي على خصوصيات ثقافتكم؟

تعرفت مبكرًا إلى إعمال عبدالله العروي الذي تُرجم كتابه "الايديولوجية العربية المعاصرة" إلى العربية عام 1970 ونشر كتابه الآخر "العرب والفكر التاريخي"، عام 1973، وقد قرأت هذين الكتابين حين صدورهما، وكنت طالبًا جامعيًا.

ومن المؤكد أن تأثير العروي، وكذلك تأثير هشام جعيط التونسي كان كبيرًا في مسيرتي الفكرية وخصوصًا لجهة المنهجية النقدية في تناول المسائل الفكرية المتعلقة بتراث القرن التاسع عشر.

ومن الملاحظ أن التأثير الأدبي في الرواية والشعر ضئيلاً جدًا، فما زال المشرق بما في ذلك مصر متفوقًا لجهة الإنتاج الأدبي والروائي خاصة.

حين تسمعون بالمغرب، ما أول شيء يتبادر إلى أذهانكم؟

حين يُذكر المغرب تحضرني الذاكرة البصرية، إن أكثر ما يميز المغرب بالنسبة لي هو العمارة وهندسة المآذن والأسواق والألوان والتنوّع. هذا بالنسبة للانطباع الأولي والمباشر، ولكن بعد ذلك فإن ما يخطر على ذهني هو الثقافة المغربية المعاصرة برموزها التي ذكرت بعضهم.

ما المدن التي قمتم بزيارتها في المغرب؟

لم أزر من المغرب، للأسف، سوى مدينة مراكش ومسجدها وساحتها وهي لا تختصر المغرب الشديد التنوع في مدنه الشاطئية والداخلية، لكن مراكش ومسجدها وساحتها وفتنتها تبقى في الذاكرة لتحتل ركنًا ثابتًا.

ما الذي تبقّى من المغرب ثقافيًا وفنيًا وفكريًا؟

يعدنا المغرب بالكثير على مستوى الثقافة والفكر، فمنذ خمسين عامًا لم يتوقف المغرب عن إغناء الثقافة العربية بأعمال بارزة في الفلسفة والتاريخ والنقد الأدبي، ونتوقع أن يزداد الإنتاج في هذه المجالات وغيرها، إن الثقافة العربية الراهنة بحاجة إلى ما ينتج مغربيًا لما تنطوي عليه من جِدة وتنوع وروح نقدية عالية.

تحرير من طرف أشرف الحساني
في 19/07/2022 على الساعة 16:00