وتثميناً لهذه التجربة الشعرية لمراد القادري، نظّم مختبر الدراسات الأدبيّة واللغوية والرقمية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمّد الخامس بالرباط بالتعاون مع مكتبة الكلية، في إطار سلسلة "كُتاب في رحاب الكلية" حلقة أولى مُخصّصة لشعريّة مراد القادري، وذلك بمُشاركة عدد من الباحثين كـ: منور بوبكر والعالية ماء العينين وأحمد زنيبر وعبد الرحيم نباتة من أجل التفكير في قيمة هذه التجربة الشعرية داخل النصّ الزجلي في المغرب والإمكانات الجماليّة الهاّمة، التي تُتيحها بالنسبة للقارئ المغربيّ والعربيّ.
وفي حديثه الخاص لـ le360 يرى أنّ "المبادرة التي أقدمت عليها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، من خلال استضافتي في أول حلقة من سلسلة "كُتّاب في رحاب الجامعة" لها دلالة عميقة في نفسي. فهي أولا تأتي من الفضاء الأكاديمي الذي درستُ به، وحصّلتُ بين مدرجاته على شهادة الإجازة و ديبلوم الدراسات العليا، كما أنها إشارةٌ رمزية عميقة تؤكّدُ سعْيَ الجامعة المغربية إلى نسْج أواصر التواصل والحوار بينها و بين الكّتاب المغاربة في مختلف الفُروع و الصنوف، و حِرصها على التعريف بهم لدى جمهور الطلبة، الذي إنْ أُتيحَ لبعضه قراءة نصوص وكتابات هؤلاء المبدعين الشعرية أو السردية، فإنه لمْ يحظ باللقاء المباشِر معهم و التشابك معهم إنسانيا".
هذا ويعتبر صاحب " وْمخبّي تحت لْساني رِيحَة المُوتْ" أنّه "إذا كانت هذه اللقاءات الجامعية الثقافية مفيدة على المستوى العام، فإنها تكتسي أهمية خاصة بالنسبة لوضعي كشاعر تكرّس اسمُه في حوْمة شِعر عامية، وهو الشعر الذي ظل، لسنوات طويلة، مُبعدا من الفضاء الأكاديمي، حيث لم يتم الانفتاحُ عليه وعلى أسئلته النظرية والشّعرية إلا في مبادرات محدودة. لذلك، فهذه الاستضافة تحملُ في طيّاتها الاعتراف بشِعرية هذه الممارسة النصيّة الكتابية، و انتمائِها لحقلنا الأدبي".
وأضاف "من المؤكد أنّ مثل هذه اللقاءات التي تستعيدُ فيها الجامعةُ صِنفا من القوْل الشعري، و تحْتفي به من خلال أوراقٍ علمية تقدّم بها صفوةٌ من الباحثين و الدّارسين في قراءة تجربة شعرية مغربية، من شأنها أن تضعَ شعرنا المغربي تحت مِجهر الدرس و النقد. و هو ما يمثّلُ، من جهة، عملا ذا فائدة كبيرة للشعر كجنس هشّ في حاجة للاحتفاء الدائم و المستمر. فيما يُمثّل، من جهة ثانية، خدمةً جليلة لطلبتنا الذين نشعرُ بالفقر الذي يعانُون منه بسبب غياب الشعر المغربي عن مقرراتهم الدراسية خاصة في المراحل التعليمية الإعدادية و الثانوية".
أمّا عن وضعية النصّ الزجلي، فيُلفت مراد القادري يتحرّج "كثيرا من استعمال كلمة " زجل". فيقول "بِتّ أفضّلُ توظيف كلمة " الشعر العامي" في الإشارة إلى هذه الكتابة التي تتوسّل بالدارجة المغربية، التي تُعتبر إحدى الأخوات الصغرى للغتنا العربية. أما عن الوضع الاعتباري للشعر العامّي، فهو لا يختلف كثيرا عن وضعية الشعر المغربي المكتوب بالعربية المعيارية، ذلك أنّ القضايا واحدة، والرهانات واحدة، والأفق واحد. وهو كيف يمكن أن يتحقّق الشعر، كيفما كان الوعاء الذي يرِدُ فيه، و يمنحنا لحظات من الدهشة، و يحفّزنا على الحلم و ركوب الخيال".
هذا وتجدر الإشارة، أنّ مراد القادري ينتمي إلى الجيل الثالث (الثمانينيات) من المشهد الشعري المغربي، لما عُرف عن هذا الجيل من قُدرة على تطويع الذات شعرياً، وجعلها مختبراً حقيقياً للتجريب والقول الشعري، مقارنة بجيل السبعينيات، التي ظلّت نصوصه الأولى أكثر التحاماً بالواقع المغربيّ العاري والتحوّلات السياسيّة، التي ألمّت به، لذلك جاءت مُعظم نصوصه الأولى الصادرة داخل بعض الجرائد والمجّلات المغربيّة والعربيّة مُحمّلة بالإيديولوجيا وتتّخذ من السياسة مُنطلقاً للإبداع. وعلى الرغم من أنّ الكثير من الأسماء الثمانينية، قد تتلمذت أكاديمياً وشعرياً على الأجيال الأخرى، إلاّ أنّها استطاعت أنْ تخلق لنفسها مساحة جماليّة مُبتكرة، تجعل من الوقائع اليومية اللامرئية مُنطلقاً للتفكير وتجميل العالم.
على هذا الأساس، بدت نصوص جيل الثمانينيات وكأنّها تخلق لغة جديدة على مُستوى تعاملها مع اللغة والصورة والخطاب، مع أنّها كانت موجودة في التجربة الشعريّة المشرقية في نماذجها الكبرى الحديثة منها والمعاصرة. هذا الأمر، يبرز بشكل كبير ومُختلف في شعريّة مراد القادري، في خلق مُعجمٍ شعريّ ينطلق من الموروث المغربي وخطابه العامّي، من أجل صياغة وابتكار نصّ شعريّ قويّ وأصيل وجامح.