استهلّ اللقاء العلمي صباح يوم الثلاثاء 17 ماي 2022، والذي حضره العديد من الطلبة والباحثين، أستاذ التاريخ القديم ونائب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك الدكتور إبراهيم فدادي، مُتحدّثاً عن أهميّة هذا اللقاء العلمي النيّر داخل الجامعة، سيما وأنّ اللقاء، يُعدّ أكثر علاقة والتحاماً بالتحوّلات التي شهدتها المنظومة المغربيّة في السنوات القليلة الماضية. حيث برزت المقاولات كصبغة عملية تستطيع أنْ تفتح الكثير بالنسبة لطلبة الآداب وتجعلهم يفتحون أعينهم على وظائف أخرى، بعيداً عن المجالات الأخرى التقليدية المألوف في القطاع الوظيفي بالمغرب.
لذلك لفت الأستاذ إبراهيم فدادي، أنّ الكثير من الطلبة هنا، قد يتساءلون عن أسباب وجود هذا اللقاء داخل كلية الآداب، مُعتقدين أنّ المقاولة تُعتبر حكراً على كلية العلوم أو القانون أو الاقتصاد، مع العلم أنّ التفكير المقاولاتي يشم وبشكل عميق حتّى كليات الآداب، بحكم تغيّر عملية النّظر إلى مفهوم الوظيفة وارتباطها أكثر بمجالات حيوية ذات علاقة بسوق الشغل اليوم، الذي يُعتبر فيه خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية ركيزة أساسية ومُكوّناً هامّاً من نسيجه ونظامه.
أمّا الدكتور الحافظي يوسف، فقد بدأ محاضرته العلمية بالحديث عن الأسباب الذاتية، التي جعلته يغدو مقاولاً ومديراً فيما بعد، مُستعرضاً أهمّ اللحظات العلمية العسيرة، التي طبعت مساره العلمي منذ دراسته المُبكّرة بمدينة مراكش، حيث سيقوده تميّزه وشغفه بالمجال المقاولاتي إلى التفكير في دراسة ماجستير بباريس، قبل أنْ يُقرّر العودة إلى المغرب ويُنجز أطروحة جامعية في الموضوع. لذلك لم تكُن المقاولة بالنسبة للحافظي مجرّد مساحةٍ عملية كنوعٍ من الوظيفة، بل باعتبارها مختبراً للتفكير وتحقيق رغبة الذات في تقاسمها المعرفة والخبرة الميدانية مع الآخر على مُستوى التفكير والتسيير والتنفيذ.
غير أنّ هذا النجاح المقاولاتي في نظر الأستاذ يوسف الحافظي، لا يُمكن أنْ يتأتى إلاّ من خلال مجموعة من المفاهيم المركزيّة التي تتحكّم في عملية بناء تصور جديدٍ ومعاصر لمفهوم المقاولة، أيْ التخلّي عن كلّ المفاهيم والتصوّرات التقليدية القبلية، التي كوّناها عن المقاولات، من خلال إعادة إنتاج مفهوم الشغف ودفع الذات إلى التحمّل مسؤولية تسيير المقاولة وفق نظامٍ موحّد، يغدو في المُدير بمثابة قائد مُؤثّر يشترك في العمل مع الفريق ويُحفّزهم على العمل والابتكار والإبداع إمّا عن طريق مكافآت مالية أو دعوات للغذاء أو رحلات سياحية، تستطيع أنْ تُقرّب الفريق فيما بينه وتُوحّد رؤيتهم في إنجاح عملية تسيير وتنظيم المقاولة.
هذا وقد لفت الأستاذ يوسف، إلى الدور الذي يُمكن أنْ تلعبه المقاولة بالنسبة للشخص الطموح القادر على جلب أفكار جديدة مُبتكرة، سيما وأن منافذ أو مصادر الدعم تحتاج إلى أفكار إبداعية تُساهم ضمنياً في تسهيل الحصول عليها وتملّكها، لأنّ اللجان المسؤولة عن التمويل، تحتاج إلى مشاريع دقيقة وقادرة على التماهي مع طبيعة الحياة اليومية للفوز بها.
ولفت المُحاضر إلى أنّ بعض أشكال الدعم، رغم قلّتها وشحّها بالنسبة للمقاول، فإنّ قوّة بعض الموضوعات، تجعل هذه المشاريع الصغيرة تنجح بطريقة مُذهلة، رغم قلّة الدعم، لأنّ المشروع مبني بطريقة واقعية وفعّالة تستجيب أكثر لتطلّعات الفرد المغربيّ اليوم.
هذا وتجدر الإشارة، أنّ عملية الحصول على دعم بعض المشاريع المقاولاتية، لا يُمكن أنْ تنجح بشكلٍ كلّي أو مُتدرّج انطلاقاً من دعم المؤسّسات أو الشركات أو الحكومة، وإنّما تفرض أوّلاً استثماراً صغيراً ذاتية، من أجل التأثير في جهات الدعم وجعلها تقتنع وتدخل في شراكةٍ مع صاحب المقاولة. فكلّما كان إيمان الشخص بأهميّة فكرته ونُضجها ودقّتها والبدء في بلورته بماله الخاصّ، يسهل عليه استقطاب الآخر وإقناعه بأهمية المشروع. لأنّ الجهات الوصية على الشأن المالي تُؤمن بالأشياء الواقعية المُتبلورة على أ{ض الواقع، بدل الأفكار والمفاهيم والتخطيطات، التي قد لا تتجاوز الأوراق البيضاء.
وفي تصريح لـ le360، قالت أمال يليد، المسؤولة عن اللقاء العلمي، إنّه "في إطار اليوم التحسيسي الذي نظّمته كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن امسيك حول المقاولة، فإنّه في إطار النموذج الجديد بالجماعة المغربيّة الذي نراه كرافعة شاملة ومُستدامة بجميع مضامين هذا النموذج الجديد، نكتشف طبيعة علاقة جديدة بين الجامعة ومُحيطها السوسيولوجي والاقتصادي، سواء من ناحية إعداد الكفاءات الضرورية من أجل تنافسية المقاولة أو عبر تطوير البحث العلمي في إطار تطوّر قُدرا الابتكار وتحفيز الناس نحو الاقتصاد لجب استثمارات خارجية".
وتضيف أستاذة الإعلاميات بجامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء: "من المعروف أنّ ضيف اليوم هو الأستاذ يوسف الحافظي الذي شجّع ونبّه إلى أهمية المقاولة في الجامعة وقدّم لنا نبذة عن التفكير المقاولاتي وتحفيز الطلبة الشباب لإدارة المقاولة والاتجاه والخوض في هذا المضمار".
وتأتي قيمة هذا اللقاء في المكانة التي غدت تلعبها المقاولة داخل قطاع الشغل في المغرب، في وقتٍ تتراجع في الوظائف وتتقلّص فيه فرص الشغل العمومية، مُفسحة المجال للقطاع الخاصّ والشباب الواعد في اقتراح أفكارٍ جديدةٍ بدلية عن الأخرى القديمة. كما أنّ الحكومات الأخيرة، بدأت تُراهن على النوع من الاستثمار الذاتي القائم على إنشاء المقاولات وتقليص نسبة ضرائبها على الفرد كمُحاولة لتشجيع القطاع والدفع بالكثير من الطلبة الذين يتخرّجون حديثاً من أجل مزاولة التفكير المقاولاتي وتحقيق أحلامهم في مجالاتٍ أكثر قُرباً لذواتهم وتفكيرهم.